« ذكرى استشهاد أحمد ياسين.. الحياة في القلوب »






 ذكرى استشهاد أحمد ياسين.. الحياة في القلوب



الشيخ أحمد ياسين



غزة- كارم الغرابلي - أخوان أون لاين



22/03/2009



 



 



اليوم 22/3 تمر الذكرى حزينةً، جرحها لا يزال يرسم خطوطه على طرقات فلسطين وشوارعها ووجوه أطفالها وأشجارها، خمس سنوات كالسحاب مرت، والقلوب بحرقةٍٍ تهتف: أحقًّا رحل "أحمد ياسين"، فرغم مرور خمسة أعوام على استشهاده ما زالت ذكراه عالقة في أذهاننا فكيف بحال أهل بيته.. زوجته وأبنائه وأحفاده.



 



(إخوان أون لاين)، وفي ذكرى استشهاد شيخ المجاهدين "أحمد ياسين" زار بيت الشهيد الذي بدا لا يختلف عن أي بيتٍ آخر في حي الصبرة، متواضعًا بأثاثه وبنائه، شامخًا بهمم سكانه وأهله، استأذناهم بالحديث عن الشيخ المجاهد فرحبوا، فكل منهم جمعته به مواقف عديدة بقيت خالدةً في العقول والأفئدة.



 



الحاجة حليمة ياسين "أم محمد" زوجة الشهيد قالت في بداية حديثها: "الشيخ كان رجلاً عظيمًا حمل بداخله كل معاني الإنسانية دائم الرضا علينا، لبسمةٍ لا تفارق شفتيه، لقد افتقدناه ولكنه نال ما يتمنى".



تمنى الشهادة



وتضيف الحاجة أم محمد لـ(إخوان أون لاين)، وهي تتشح باللون الأبيض افتخارًا بالشيخ: "إن الشهادة كانت أولى الأمنيات التي طالما حلم بها الشيخ، والحمد لله أنه نالها في وقتٍ كان في أمسِّ الحاجةِ إليها؛ حيث كان يعاني من انتكاسةٍ صحيةٍ شديدة".



 



تتابع والدموع تترقرق من عينيها: "لقد كان في أيامه الأخيرة يلحُّ بالدعاء إلى الله أن يتوفاه شهيداً كما تمنى منذ بداية حياته"، وبصوتٍ ملأه الإيمان بالله تمتمت "الحمد لله الذي حقق للشيخ ما تمنى ورحل إلى الدار الآخرة شهيدًا".



 



وقالت بلهجة صمود وثبات: "كانت حياة الشيخ منظمة، وأوقاته مُقسَّمة ما بين العبادة والعمل السياسي والاجتماعي، فكان رحمه الله يختلس السويعات القليلة ليتفقد أحوال أسرته ويداعب أحفاده الذين يحظون بمحبةٍ كبيرةٍ في قلبه".



 



وعن حياته اليومية أضافت: "للشيخ طقوس يومية لا يكاد يومًا ينفك عنها حتى يوم استشهاده، لقد كان يستيقظ قبل آذان الفجر بحوالي الساعة فيتوضأ ويتأهب للصلاة، ومن ثَمَّ يصطحبه نجليه إلى مسجد المجمع الإسلامي الكائن بالحي فيصلي، ومن ثم يلقي درسًا على المصلين وبعد الانتهاء يذهب إلى مكتبه فيبدأ الاطلاع على أوراقه ومهامه التي يكون قد حددها في اليوم السابق فيباشرها، وقد لا تأخذ منه وقتًا كبيرًا فقط سويعات قليلة وبعدها يفتح أبوابه ويولي وقته واهتمامه لكل سائل لا يبخل على أحد بالمساعدة ومد يد العون ما دام ذلك في حدود إمكانياته.



أحب الناس فأحبوه





وتتابع أم محمد الحديث عن الشيخ الجليل: "لقد أحب الناس فأحبوه وساعدهم ووقف إلى جوار العديد ممن كانوا يقصدونه، فحفظوا له ما أسدى لهم من معروف وها هم يكافئونه بعدم نسيانه وفقده، اغرورقت عيناها بالدموع وهي تشير إلى الحاضرين تخص أصغر حفيد له تتمتم "ما زال أحمد ياسين هنا بيننا لم يمت أراه في عيون أحفاده الذين يحملون اسمه، في كل شارع ومنزل، وفي آلاف الأشخاص في فلسطين ترك الشيخ الراحل أثرًا وسجَّل مواقف، وخلَّف دروسًا وعبر.



الصورة غير متاحة



الشيخ ياسين شهيد الفجر

 



كثيرة هي الومضات في حياة الشيخ الذي حاز أعلى درجات الإعجاب ممن كانوا حوله أو عايشوه أو حتى ممن تعرفوا إليه من المشاهدة الأولى.



 



كان الشيخ حريصًا على أن يكون قدوةً في شتى المجالات، ونجح في ذلك رغم عجزه، وكانت إرادته أقوى بكثير من الأصحاء الذين حوله لدرجة أن بعض من عايشوه كانوا يشعرون بالخجل أمام قدرة تحمله للمتاعب والمشاق، خصوصًا في خدمة أبناء وطنه.



 



مريم أحمد ياسين (إحدى كريمات الشهيد الشيخ ياسين الثمانية) بألمٍ حدثتنا: "هو الأب الحنون الذي منحنا الحنان بلا حدود، إن فقده ليس خسارة لنا بل خسارة للأمة الإسلامية جمعاء".



جوانب عظيمة



وتكشف لـ(إخوان أون لاين) عن جوانب من شخصيته العظيمة: "أبي كان منظمًا في حياته وازن بين كافة أمور حياته فلأهله نصيب ولدعوته نصيب لم يبخل علينا برفقته الدافئة الحنونة، كان مربيًّا, دقيقًا في مواعيده، كان لا يشكو حتى حين يشتد عليه المرض وبالرغم من شلله وألمه يلقانا بوجهه البشوش البسام دائم الحمد والثناء لله عز وجل".



 



وتواصل حديثها بشوق: "ما أشد تواضعه حتى في الطعام كان لا يرفض أي شيء يُقدم له يأكل مما هو موجود، كان يحب الأطفال ويفرح عندما يراهم سعداء يضحكون ويمرحون، وأشد ما كان يزعجه أن يسمع بكاءهم"، وتستدرك بحزن: "كان رمزًا للحنان، ولكن الحمد لله قدَّر الله وما شاء فعل".



 



يُشار هنا إلى أن الشهيد ياسين رزقه الله بثلاثة أبناء وثماني بنات، كما أن للشيخ 40 حفيدًا وحفيدة.



 



أما رحمة أحمد ياسين ابنته فتقول: "حتى الآن لا أصدق أنه فارقنا، لقد كان لنا كل شيء في حياتنا، كان الأب الغالي الحنون، وكان الأخ والصديق".



 



وأضافت رحمة: "أحنُّ إلى مجالسته والبوح له بما يعتريني من همٍّ وضيقٍ فكان البلسم لكل جراحنا"، وتتنهد بحزن: "لا أستطيع التعبير والحديث عمَّا كان يُشكله أبي بالنسبة لنا"، وتشير الابنة إلى أن الشهيد كان عطوفًا على الناس، ولا يتأخر عن مساعدتهم ولو من مصروف البيت.



الصورة غير متاحة



 عبد الحميد ياسين 

من جانبه قال عبد الحميد نجل الشيخ الياسين، والذي بدأ يتعافى من إصابته التي أُصيب بها يوم استشهاد والده: "بعد خمس سنوات على استشهاد والدي الذي بدأ يزرع بذور الخير في أبناء الشعب الفلسطيني منذ الخمسينيات، نرى اليوم هذه الانتصارات التي نعتبرها ثمرة لجهوده وإخوانه في حركة المقاومة الإسلامية حماس في حياته وثمرة لدمائه الطاهرة وإخوانه وأبناء شعبه رحمه الله، فكان لها الفوز في الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة".



 



وأضاف: "بفضل الله حركة حماس تتقدم وتتطور بشكلٍ ملحوظ؛ حيث إن الاحتلال في آخر اجتياح ثبت فشله أمام مجاهدي القسام؛ وذلك بفضل الله عزَّ وجلَّ ثم بفضل المجاهدين".



 



وتحدث عبد الحميد عن والده الشيخ واصفًا إيَّاه (أي الشيخ ياسين) بالمدرسة في حياته، قائلاً: "استطاع أن يجذب إليه الناس ويقنعهم بفكرته وقوة حجته، وبحسن معاملته وعلو أخلاقه، فلم يكن يتعامل مع الغني ولا ينظر إلى الفقير والعكس، ولم يكن الشيخ بمنأى عن هموم الناس فكان يعايشها يوميًّا من كثرة الناس الذين يتوافدون عليه للمساعدة.



 



تضيف في هذا الجانب كريمته خديجة موقفًا لا يُنسى في حياة الشيخ الجليل، تقول: "أذكر يومًا أن إحدى المؤسسات تبرعت بمجموعةٍ من القمصان عالية الجودة في الصنع فبادر أخي مقترحًا أن يتم استبدال نوع آخر أقل جودة بهذه الكمية حتى تزيد كمية القمصان ويستفيد منها أكبر عددٍ من الفقراء إلا أن أبي رفض ذلك تمامًا، وراح يُخبر أخي بأن من حق الفقير أيضًا أن يرتدي لبسًا فاخرًا، وأشار إليه بجلب كمية أخرى من القمصان تكون بنفس المواصفات ليتم توزيعها على الفقراء الذين أضناهم ضيق العيش وحرم أطفالهم البسمة.



مستمرون على النهج



ويروي إبراهيم صلاح، أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في منطقة شمال قطاع غزة عن الشيخ أحمد ياسين في ذكرى استشهاده قائلاً: "نستذكره وحماس تدخل المجلس التشريعي وتقود معركة الفرقان ويندحر العدو أمام صمودها، نتذكر الذين أسسوا هذا المشروع خاصةً الشيخ أحمد ياسين، الذي قاد هذا العمل إلى أن وصلت حركة حماس إلى ما وصلت إليه".



 



ويؤكد صلاح أنهم مستمرون على طريقهم ونهجهم بعد كل هذه السنوات، مشددًا على أنه ورغم الضغوط المحيطة بها ما زالت ماضية على نهجهم، ولن تتوقف عن تقديم التضحيات.



 



تمتع الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بمنزلة روحية وسياسية متميزة في صفوف المقاومة الفلسطينية؛ وهو ما جعل منه واحدًا من أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي.



ياسين والمقاومة



ويقول أحد مقاتلي كتائب القسام الجناح العسكري لحماس لـ (إخوان أون لاين): إنهم فوجئوا في إحدى المرات بالشيخ يناقشهم في أدق تفاصيل عملهم في إطار الاستعدادات للتصدي لأي اجتياح صهيوني محتمل لمدينة غزة، مضيفًا أن حديث الشيخ لم يكن مجرد حديثًا للترف أو لاستعراض بعض معلوماته، فقد استفادوا منه المقاومون في الميدان.



 



ويتابع هذا المجاهد: إن الشيخ اقترح طرقًا لنصب الألغام الأرضية لمواجهة دبابات الاحتلال، واهتم بمعرفة طريقة وآلية توزيع المجاهدين على مناطق مدينة غزة، والمحاور التي يمكن أن تكون مداخل لاجتياح قوات الاحتلال، وكثيرة هي مواقف الشيخ الشهيد في هذا المجال ولا يمكن حصرها في فترة قصيرة من بعد استشهاده.



 



لم يكن الشيخ ياسين متعصبًا لحزبه، كان مرحًا في معاملته مع الجميع، وفسحًا في الضحك والمزاح مع الآخرين، ويشاركهم في أحزانهم وأفراحهم، لقد تعود الصحفيون على الشيخ ياسين أنه لا يصد أحدًا عن المجيئ إلى بيته المتواضع، والجلوس بجانبه حتى يشعر الواحد منهم بابتسامة الشيخ في وجهه وترحابه الكبير بأنه يتحدث مع صديقه.



الشيخ ياسين والإعلام



الصورة غير متاحة



الشيخ ياسين.. شمس المقاومة التي لا تغيب

يقول الصحفي وسام عفيفة رئيس تحرير صحيفة الرسالة في غزة: "كانت مقابلة أو اثنتين سريعتين تلك التي جمعتني بالإمام الشهيد، في ذلك اليوم وبعد طول انتظار (من كثرة من يقصدوه لمتابعة أمور الحركة أو المواطنين)، تمكنَّا من الدخول على الشيخ كان يجلس على كرسيه بكل بساطة، وقابلنا بابتسامته؛ حيث كان يهم بتناول طعام الغداء "عزم علينا"، وبدأ بالمزاح مع زميلي د. حسن أبو حشيش.



وأضاف: "كان يريد أن يعتذر لنا عن عدم إجراء المقابلة في ذلك اليوم، ولكنه لم يطلب منا ذلك مباشرة، وبكل تواضع وبذوق رفيع وضعنا أمام خيارين، إما أن ننتظر حتى ينتهي من تناول غدائه، وبالتالي نتناوله معه أيضًا رغم الإرهاق البادي عليه، وإما أن نحدد موعدًا لاحقًا، وكل ذلك كان يتم ببساطه يتخللها المزاح، والسؤال عن أحوالنا وظروف عملنا".



 



وتابع: "خلال وجودنا بدا واضحًا مدى اهتمام الشيخ الشهيد بالبعد الإعلامي، فقد كان العديد من الصحفيين يفدون إليه لإجراء مقابلات، والحصول على تعقيبه في مختلف قضايا الساعة، لم يرد أحدًا منهم، وربما حدد لبعضهم مواعيد أخرى، كان يعلم كيف يتعامل مع كل صحفي حسب وسيلته.. مراسل صحيفة أو مراسل فضائية أو صحفي أجنبي، وتعامل مع الكاميرا بشكل جيد رغم ضعف صوته ومشاكله الصحية".



 



وأضاف: "جمعتني قصص وشهادات عديدة عن الشيخ الشهيد في إطار تغطيتي لمراحل في حياته وبعد استشهاده؛ فحصلت على صورة لشخصية عجيبة من حيث القدرات على متابعة كافة الجوانب السياسية والمقاومة، وشئون الحركة وهموم الشارع الفلسطيني.



 



الشيخ ياسين هو نوع فريد وطراز خاص من الرجال انتصر على إعاقته، وأحد رموز شعبنا الفلسطيني، وعنوان كرامة العرب والمسلمين، آمن بضرورة التربية والبناء والجهاد والعمل دون كلل أو ملل حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.



نموذج وقدوة للجميع في انتصاره للمبدأ والفكرة، عندما يهمك أمر أو تتقاعس عن تضحية وعطاء تذكر الشيخ الشهيد أحمد ياسين.



» تاريخ النشر: 2009-03-22
» تاريخ الحفظ: 2024-03-29
» شبكة الشفاء الاسلامية
.:: https://www.ashefaa.com ::.