سوريا تُطلق المتهم الرئيسي بالاعتداء على الجيش

سوريا تُطلق المتهم الرئيسي بالاعتداء على الجيش
أين أصبحت ملاحقة المطلوبين بجريمة رياق؟


المستقبل - الاثنين 27 تموز 2009 - العدد 3375 - شؤون لبنانية - صفحة 5


فادي شامية


في الأسبوع الأخير من شهر آذار الفائت، نبّهت مديرية المخابرات قطعات الجيش المنتشرة في منطقة البقاع الشمالي، إلى تزايد سرقة السيارت في بيروت وجبل لبنان، من قبل عصابات موجودة في منطقة بعلبك ـ الهرمل. قام اللواء الثامن المنتشر في المنطقة بنصب حواجز متعددة للتدقيق في الهويات وأوراق تسجيل السيارات.



وفي ليل 27 آذار الفائت مرت سيارة "رانج روفر" من أمام أحد الحواجز العسكرية، في محلة الدار الواسعة، من دون أن تمتثل لأمر التوقف، وقد بادر من بداخلها إلى إطلاق النار على عناصر الحاجز لتسهيل فرارهم، ما دفع الجيش إلى الرد على مصدر النيران. وقد أدى ذلك إلى مصرع كل من علي محمد جعفر وعلي عباس جعفر، وإصابة اثنين آخرين أُوقفا.



بعد الحادث تبين أن سيارة الـ"رانج روفر" مسروقة قبل نحو عشرة أيام من جبل لبنان، وأن بداخلها أسلحة حربية وكمية من حشيشة الكيف. كما تبين أن القتيل علي عباس جعفر، هو واحد من أهم تجار المخدرات في المنطقة، وأنه ملاحق بـ172 مذكرة توقيف!.
وفيما كانت قيادة اللواء الثامن تهنئ سرية النقيب علاّم دنيا، المسؤولة عن الحاجز المذكور، على السلامة، وتستوضح تفاصيل ما جرى، كان مركزان للجيش، أحدهما قرب منزل نوح زعيتر، تاجر المخدرات المعروف، يتعرضان لإطلاق نار!.



وفي اليوم التالي قامت عشيرة جعفر بتحركات احتجاجية مطالبة بفتح تحقيق في الحادث، وعلى الأثر تحركت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني على خطين؛ الأول تنبيه الوحدات المنتشرة في المنطقة من مغبة وقوع عمليات ثأرية، والثاني تهدئة خواطر آل جعفر.



وبالفعل فقد عُقد اجتماع في منزل ياسين جعفر، أحد وجهاء آل جعفر في بيروت، حضره عدد من ممثلي العشائر والعائلات في المنطقة، إلى جانب نائب مدير المخابرات في الجيش العقيد عباس إبراهيم، وفي الاجتماع أبلغ إبراهيم الحضور أن الجيش فتح تحقيقاً في الحادث، وأنه إذا تبين أن عناصر الحاجز المذكور استعجلوا إطلاق النار، رغم إمكانية تفادي المواجهة، فسيعاقبون مسلكياً. وفي المقابل طلب إبراهيم من ممثلي العشائر والعائلات المساعدة على التهدئة. وقد سادت الاجتماع أجواء إيجابية كان ينتظر أن تتوج بلقاء "مصالحة" في المنطقة، يحضره وفد رفيع من قيادة الجيش.



في هذه الأثناء كان شقيقا علي عباس جعفر يحضّران للانتقام لمقتل شقيقهما، وقد ورطا معهما مجنّداً من بريتال يخدم في اللواء الثامن، بهدف إبلاغهما عن تحركات النقيب علاّم دنيا. كما هدد الرجلان وجهاء المنطقة بأنهما سيطلقان النار على وفد الجيش في حال حضوره.



في 13 نيسان الفائت، أي بعد سبعة عشر يوماً على مقتل شقيقهما، تعرضت سيارة تابعة للجيش لمكمن مسلح في منطقة رياق، أدى إلى استشهاد أربعة عسكريين كانوا برفقة النقيب علاّم دنيا، الذي أصيب بجروح بليغة في رأسه (كلهم من الشمال وأحدهم أب لستة أولاد). وما زاد الصدمة أن مسلحين في حي الشراونة في بعلبك، قد عمدوا، فور شيوع نبأ الاعتداء، إلى إطلاق النار في الهواء ابتهاجاً!.



وعلى الأثر قامت وحدة من المكافحة بتطويق مكان الاعتداء، وقد تمكّنت من رصد الفاعلين، وتوقيف أحد المجندين، بعدما حاول ابتلاع الشريحة الهاتفية التي اتصل من خلالها بحسين عباس جعفر. فيما كانت تقوم وحدات أخرى بملاحقة المسلحين الذين سلكوا طريق تمنين ـ بدنايل، حيث تركوا هناك سيارة من نوع "شيروكي"، تبين أنها مسروقة أيضاً، من نحو شهر من منطقة برج البراجنة، وتعود ملكيتها لشخص من آل شكر. وقد رجّح بنتيجة الملاحقة أن يكون المجرمون عبروا الحدود باتجاه سوريا.



مع نهاية شهر نيسان الفائت تمكّنت "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي من الحصول على معلومات، بالتنسيق مع الأمن التركي، مفادها أن حسين عباس جعفر، قائد المجموعة التي نفّذت الهجوم على الجيش، قد عبر الحدود السورية ـ التركية، بوثائق مزورة باسم عماد سليمان. وعلى الأثر زُودت مديرية المخابرات في الجيش، والسلطات اللبنانية والتركية المختصة بالمعلومات اللازمة، التي أفضت إلى توقيف حسين جعفر وشخص سوري آخر عاونه على الفرار، وقد أعادتهما السلطات التركية إلى البلد الذي جاءا منه؛ أي سوريا. ولدى تحرك مخابرات الجيش لاسترداد جعفر رفضت السلطات السورية تسليمه بحجة التحقيق معه بجرم التزوير فوق أراضيها.



في هذه الأثناء كان النقيب علاّم دنيا قد تماثل للشفاء، وعاد إلى مدنته طرابلس، حيث أقيم له في 26 نيسان الفائت احتفال حاشد في محلة باب الرمل، تحوّل إلى مناسبة لتجديد دعم الجيش والمطالبة بتكثيف جهود القبض على المجرمين. وقد اعتبر بعض الحضور أنه لولا ضرب هيبة الجيش في مار مخايل وفي أحداث 7 أيار، ولولا استمرار فرار مرتكبي جريمة الزيادين، لما وقعت هذه العمليات الثأرية.



وتشير المعلومات اليوم إلى إطلاق السلطات السورية حسين جعفر، وإلى احتمال دخوله الأراضي اللبنانية، واستهدافه النقيب دنيا مجدداً (وفـّرت له قيادة الجيش عناصر حماية دائمة أمام منزله في طرابلس)، فضلاً عن استمرار فرار ثلاثة متورطين رئيسيين آخرين.
اليوم وبعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على الجريمة، يتحضر أهالي شهداء الجيش (مرّون، وسليمان، وحبلص، وبغداد) لتحرك يهدف لمطالبة قيادة الجيش ووزارة الدفاع بتنفيذ الوعود التي قطعها قائد الجيش العماد جان قهوجي بـ"القبض على المجرمين ولو فروا إلى آخر مكان في الدنيا"، ولا يخفي أهالي شهداء الجيش مرارتهم من عدم تعاون القوى السياسية النافذة في بعلبك ـ الهرمل، ويقارنون بين ما جرى في محلة الدار الواسعة وبين حادث مشابه جرى قرب أحد حواجز الجيش في باب التبانة في العام الماضي، وراح ضحيته أحد المارة الأبرياء. يومها اعتبر نواب المنطقة أن ما جرى كان خطأ ارتكبه عناصر الحاجز، لكنهم جددوا ثقتهم بالجيش وساعدوا على تسليم المطلوبين، رغم أنه لم يفتح أي تحقيق جدي في الحادث"!

: 2009-08-01
طباعة