إلام يرمي الصهاينة من تصاعد اعتداءاتهم على الأقصى؟!

إلام يرمي الصهاينة من تصاعد اعتداءاتهم على الأقصى؟!


فادي شامية


تتصاعد الاعتداءات على المسجد الأقصى بشكل ملحوظ هذه الأيام، فبعد محاولة الجماعات اليهودية المتطرفة اقتحام الأقصى الأسبوع الماضي، تجددت دعوات المستوطنين اليهود لاقتحامه اعتباراً من صباح الأحد الماضي ولغاية يوم الخميس 8/10، لمناسبة "عيد العرش اليهودي"!.


 


المسار التصاعدي للاقتحامات ومحاولات الاقتحام يدفع للتساؤل عن الأسباب الدافعة. ثمة من يقول إن قرار السيطرة على المسجد الأقصى قد اتُخذ، وإن مشروع "القدس أولاً" الذي أعلن عنه هذا العام يقضي ببناء مدينة يهودية يدخل في إطارها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، على أن تكون "الإدارة فيها مدنية لأتباع الديانات الثلاث". وثمة من يقول إن هذه الاعتداءات تهدف إلى قياس رد الفعل العربي والإسلامي إزاء مشروع السيطرة على الأقصى. وثمة من يعتبر ما يجري ليس إلا تمهيداً لمشروع تقسيم الأقصى بين المسلمين واليهود، على غرار ما جرى سابقاً في المسجد الإبراهيمي في الخليل. وربما تكون التطورات الأخيرة في القدس مزيجاً من هذا كله.


 


حقائق مهمة


وإزاء ذلك ثمة حقائق يحسن الإضاءة عليها لفهم ما يجري:


1-  لقد رافق حلم هدم الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم مكانه العقلَ الصهيوني، منذ أن تبلور مشروعه على أرض فلسطين "وطناً قومياً لليهود". وقد بات هذا الحلم أقرب إلى الحقيقة بعد احتلال كامل القدس عام 1967 وهدم حارة المغاربة الملاصقة للمسجد الأقصى.


2-  ما يزال حلم هدم الأقصى يراود اليهود عموماً. بل إن اليهود يشعرون اليوم أنه آن الأوان لتحقق هذا الحلم. فقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت في 30/7/2009 استطلاعاً للرأي أظهر أن 64% من اليهود يؤيدون إقامة هيكل سليمان (المزعوم) مكان المسجد الأقصى الآن!. كما نشر الصحفي الأميركي دان براون قبل أيام كتابه "الرمز المفقود" متضمناً روايته لتفاصيل اختراقه الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن هذه الجماعات حددت لنفسها تاريخ 25/3/2010 موعداً لهدم الأقصى!


3-  بالمقارنة بين الحلم والواقع فإن الأقرب للتحقيق في هذه المرحلة هو اقتسام الأقصى بين المسلمين واليهود. وأول خطوات هذا التقسيم تمكين اليهود من الدخول إلى المسجد الأقصى لإقامة شعائرهم الدينية. وكانت المحكمة الإسرائيلية العليا أصدرت قراراً في العام 2003 اعتبرت فيه "صلاة اليهود في الأقصى حقاً طبيعياً" لهم. وطوّرت هذا القرار في العام 2005 عندما "نظّمت" دخول اليهود إلى الأقصى بين السابعة مساءً والخامسة صباحاً من كل اليوم. وقبل يومين أصدرت محكمة القدس قراراً اعتبرت فيه أن من واجب الدولة (إسرائيل) "المحافظة على القيم الأساسية، ومنها الحق بأداء الصلوات بإذن الشرطة، ووجوب توفير الحماية للمصلين". وما لا يعرفه الكثيرون راهناً أن اليهود يدخلون الأقصى يومياً كأفراد أو كجماعاتٍ صغيرة أو كشرطة وجيش، فضلاً عن السياح، وأن المواجهات التي تحصل حالياً سببها أن المتطرفين اليهود يدخلون بأعداد كبيرة وبمظاهر استفزازية!.  


4-  على الصعيد الديني اليهودي ثمة تطور ملحوظ، فبعد أن كانت الاجتهادات الدينية اليهودية تحرّم دخول اليهود إلى المسجد الأقصى، ظهر توجه جديد يقوده الحاخام موشيه تندلر يدعو إلى دخول الأقصى وإقامة الشعائر الدينية فيه، وتأكيداً لذلك قام الحاخام المذكور بدخول الأقصى عام 2008 داعياً المتدينين اليهود للاقتداء به. يذكر أن التوجه التقليدي للحاخمية اليهودية، يعبر عنه حالياً الحاخام عوفاديا يوسف، حيث يعتبر دخول اليهود إلى جبل الهيكل قبل إقامته "تدنيساً له".


5-  أمنياً تبدو السيطرة الإسرائيلية محكمة حول الأقصى، إذ يوجد حالياً ثلاثة مراكز للشرطة، وتقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي راهناً ببناء مركز جديد، وقد أجرت مؤخراً مناورات متقدمة للتدرب على دخول الأقصى في أي وقت، إضافة إلى أنها تملك مفاتيح باب المغاربة، ومجسات حرارية وكاميرات تصوير لما يجري داخل الأقصى وهي تعمل على مدار الساعة.


 


اعتداءات مختلفة صمت مريب!


ما يجري في القدس وما يتعرض له الأقصى يحمل على التساؤل عن سر هذا الصمت المريب للمنظمات الدولية، أقلّه تلك المهتمة بالحفاظ على الإرث الإنساني والحضاري، فحتى لو اعتبرنا أن الأقصى مجرد معلم حضاري يجب المحافظة عليه (فضلاً عن كونه قبلة المسلمين الأولى وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال) فإن هذا البناء الشامخ منذ فجر التاريخ يتعرض لاعتداءات مستمرة، ربما تكون أخطر من اعتداءات المستوطنين الاستفزازية، وتتمثل الاعتداءات بالحفريات المتكاثرة تحته وحوله (25 حفرية، 12 منها نشطة و13 مكتملة)، ما يجعله مهدداً في بنيانه، إضافة إلى منع الأوقاف الإسلامية في القدس من إدخال أية مواد لترميم جدران المسجد، فضلاً عن تقييد حركة المصلين والتنكيل المستمر بحراس الأقصى.


 


وإذا كان "جائزاً" انتقاد المؤسسات الدولية على صمتها، فإنه ينبغي "رفض" الموقف العربي الرسمي الضعيف، لأنه يفتح المجال أمام دولة الاحتلال على متابعة مسلسل اعتداءاتها. ومن المفيد هنا التذكير بأن الجهة المسؤولة عن المقدسات الإسلامية، بحكم الأحقية التاريخية، وبحكم اتفاقية وادي عربة، هي الممكة الأردنية الهاشمية. كما من المفيد التذكير بأن مبادرة السلام العربية قائمة أساساً على مبدأ قيام دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس، التي يحتل المسجد الاقصى 1/6 من مساحة بلدتها القديمة، فإذا ما استمر مسلسل تهويد القدس، وأصبح المسجد الأقصى أو جزءاً منه مكاناً لصلاة اليهود فماذا يبقى من هذه المبادرة؟!        


 


 


إزاء كل ما يجري، هل التحرك الإعلامي والجماهيري كافٍ؟ بالطبع لا، لكنه أقل الإيمان، وإذا كان المتطرفون اليهود يريدون تعويد العرب والمسلمين على دخولهم كجماعات إلى المسجد الأقصى، واعتباره مكان عبادة لهم، (كما نجحوا من قبل في دخولهم فرادى)، فإن هذه الاعتداءات المستمرة والمتزامنة في كل مرة مع عيد من الأعياد اليهودية (عيد الغفران، عيد العرش...)، ينبغي أن تكون مناسبة لتفـَكُّر أمتنا العربية والإسلامية في الحال التي وصلت إليه، وأن تكون كل محاولة اعتداء جرعة توعية رسمية وشعبية، لصيانة الواقع العربي والإسلامي وتمتينه، إذ ترتبط كرامة الأمم -على مدار التاريخ-بمهابة مقدساتها، ولا يمكن بحال أن تكون أمتنا بخير طالما بقي الأقصى تحت الاحتلال وعرضة للاعتداء بهذا الشكل الذي يجري.  


 

: 2009-10-07
طباعة