إيجابيات النهوض لتطوير المستقبل العربي؟!

بين المزايدات والمبالغات في مواجهة المشروع الأميركي


هل نتعلم من الولايات المتحدة إيجابيات النهوض لتطوير مستقبلنا العربي؟!


اللواء- 4 تشرين الثاني 2009 الموافق 16 ذو القعدة 1430 هـ د


فادي شامية


تعتبر الولايات المتحدة الأميركية من حيث نشأتها دولة فريدة في التاريخ الإنساني كله. إنها "الإمبراطورية" الأقوى في التاريخ البشري، إذ تمتلك أكثر من 700 قاعدة منتشرة في أكثر من 63 بلداً، وأكثر من نصف مليون جندي نظامي يتوزعون في جهات العالم الأربع، بالإضافة إلى انتشار أساطيلها في معظم الممرات المائية في العالم، واستنادها إلى قاعدة اقتصادية وإعلامية هائلة.  


المشروع الأميركي في المنطقة


رغم تغني الولايات المتحدة الأميركية بحزمة من القيم الإنسانية، إلا أنها تعتبر دولة مكروهة في المنطقة العربية والإسلامية، بسبب سياساتها المنحازة إلى العدو التاريخي للعرب والمسلمين؛ "إسرائيل". وبسبب سعيها الدائم لفرض هيمنتها على المنطقة العربية الغنية بالثروات، ولا سيما النفط، المادة الاستراتيجة العالمية. فضلاً عن معاداتها لكل القوى التي من شأنها تهديد هيمنتها على المنطقة.  


وفي مرحلة معينة شعرت حركات التحرر، اليسارية والقومية، ثم الإسلامية، بأن الولايات المتحدة الأميركية مسؤولة عن الظلم الذي تعاني منه شعوب المنطقة العربية، من خلال دعم الاستعمار أو دعم الأنظمة القمعية الفاسدة، الأمر الذي جعل هذه الحركات، لا سيما الإسلامية منها تنقل هجماتها نحو الخارج، تحت عنوان: "مهاجمة الرأس" أولاً، وقد شكّلت أحداث 11 أيلول ذروة التعبير عن هذه النظرية، الأمر الذي "اضطر" الولايات المتحدة الأميركية إلى التحرك عسكرياً تحت شعار: "مكافحة الإرهاب".  


وعلى هذا الأساس احتل الجيش الأميركي وحلفاؤه كل من أفغانستان والعراق، بالتزامن مع طرح جوج بوش الابن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" في شباط 2004، والذي انتهج من خلاله استراتيجية التغيير في الشرق الأوسط، عوضاً عن إستراتيجية الحفاظ على الوضع القائم، التي كانت معتمدة سابقاً، بعد أن بات هذا التغيير -وفق الرؤى الأميركية- ضرورة ملحة لأمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية. وكما فشل مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي طرحه جورج بوش الأب هادفاً من خلاله إدماج "إسرائيل" في المنطقة العربية، فإن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" لـ "دمقرطة" المنطقة، والذي حلم به المحافظون الجدد، فشل هو أيضاً.


 


هزيمة المشروع الأميركي!


انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية حمل معه "التغيير" في السياسات الأميركية تجاه العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي اعتبره البعض عندنا نصراً مؤزراً. وفي الواقع فإن فترة ولاية الرئيس جورج بوش الابن كانت الفترة الأكثر قتامةً على العرب والمسلمين، الأمر الذي يبرر الفرح بنهايتها، لكن المبالغة في تقدير بعض الوقائع والأحداث توشك أن تصبح فخاً يقع فيه بعض المثقفين العرب قبل سواهم، نتيجة الكراهية المفرطة للولايات المتحدة، وتمني أفول نجمها من جهة، وسوء الواقع العربي وعجزه من جهة أخرى. 


في هذا الإطار، ثمة تناقض واضح يقع به الذين سيطرت على عقولهم، "عقدة العداء لأميركا"، عندما يؤكدون من جهة أنهم (هم) هزموا المشروع الأميركي في المنطقة، وأنه ذهب إلى غير رجعة، ثم من جهة أخرى يبررون أفعالهم، بمواجهة هذا المشروع. أما أوسط هؤلاء فإنهم – ومن أجل الحفاظ على حد أدنى من الإقناع- يقولون إن المشروع لم ينتهِ ولكنه "تعثر" بما يسمح لهم استحضاره في كل مناسبة وتحميله مسؤولية الكثير من المصائب التي تعاني منها المنطقة، كالفرقة والفتنة والتخلف... وحتى القمع والاعتداء!، يستوي في ذلك الدول والجماعات  والأفراد، لا سيما "الممانعون" منهم.   


وثمة في هذا السياق مصطلحات وعبارات مستعملة اليوم تحتاج إلى تدقيق؛ فالعداء ينبغي أن يوجه للمشروع الأميركي وليس لأميركا كدولة، خلافاً لحالة "إسرائيل" الذي يقوم العداء على أساس وجودها، فضلاً عن المشروع الصهيوني الذي صنعها. واستتباعاً -إن شئنا الدقة- فإن "مشروع المحافظين الجدد" في المنطقة قد انتهى برحيلهم عن البيت الأبيض، لكن "المشروع الأميركي"، كمشروع هيمنة لم ينته وينبغي مقاومته. ومن أجل الدقة أيضاً، فإن من عوامل هزيمة "مشروع المحافظين الجدد" في منطقتنا هو "المقاومة العراقية" وليس "الحرب على العراق"، فالحرب على العراق انتهت بنصر أميركي أزال حزب البعث من السلطة وأعاد تركيب العراق من جديد، لكن المقاومة التي انطلقت بعد ذلك هي التي حرمت الأميركيين من قطف ثمن هذا النصر على ما كانوا يأملون. وفي السياق عينه ينبغي أيضاً التواضع وعدم إعطاء أبعاد كونية لكثير من الأحداث في منطقتنا، ووصف ما يجري فيها بما يتعدى حجمه الحقيقي أو جعله عاملاً من عوامل زوال أميركا لدى بعض "غلاة" معاداتها، سيما أن أهم عوامل انكسار "مشروع المحافظين الجدد" لم يصنعه كثير من الذين يهاجمونه اليوم!.


      


التعلّم من أميركا!


الأهم في كل هذا العرض، أن علينا –نحن العرب- أن نشخّص أمراضنا وأسبابها بوضوح، لا أن نحمّل الآخر –عن حق أو باطل- مسؤولية ما نعاني منه؛ فالفرقة والفتنة والاحتراب والتخلف... كل ذلك قائم في منطقتنا، وله أسباب موضوعية، قد يذكيها "الغير"، لكن في كثير من الحالات يكون سلوكنا، كمن يسخّر نفسه لتنفيذ رغبة هذا "الغير"، رغم ادعاء مواجهته!.  


أما الأمر الأكثر أهمية، فهو ضرورة أن نتعلم من هذا "الغير" كيف نصنع قوتنا كما صنعها هو، ففي معرض العداء الجارف لأميركا ننسى جملة من القيم التي ترقى إلى مستوى السنن الكونية في الارتقاء والتطور. هذه القيم موجودة في الغرب ومفقودة في بلادنا للأسف. وأول هذه القيم الحرية، واحترام إرادة الشعوب، وقدرتها على المحاسبة، واحترام الإنسان وحقوقه ورفاهه. بغير إفشاء هذه القيم في عالمنا العربي عبثاً نحاول النهوض، إذ سيبقى الفساد والتخلف والقمع سمة أنظمتنا، وستبقى شعوبنا المقهورة تصفق للحاكم، حتى إذا ما رحل تحولت عنه إلى سواه (نموذج الملايين التي كانت تهتف لصدام في العراق قبيل الغزو ثم هتافها ضده بمجرد رحيله)، وفي معرض هذا الواقع ستبقى قدرات الإنسان العربي مقيدة، وإبداعاته محدودة، والتنمية لديه من قبيل المنة التي يتفضل بها الحاكم ليبرر قمعه.  


ومن المفيد في هذا السياق أن نتوقف أمام مفارقة انتخاب الشعب الأميركي لرجل أسود من أصول مهاجرة رئيساً للولايات المتحدة، مقابل تعطّل تداول السلطة لدينا، ووصول عدد كبير من حكامنا للسلطة عبر الانقلابات المسلحة، واستمرارهم فيها بالقمع، توريثهم أولادهم من بعدهم بالقهر. من المفيد أن نتذكر أنه لا يوجد معارض أميركي يفر من بلده بسبب معارضته، بينما يوجد كل معارضي أنظمتنا في الغرب، لئلا يكونوا في السجون أو تحت التراب!. 

: 2009-11-04
طباعة