« مفهوم الإيمان عند أهل السنة والجماعة »











 



(1) مفهوم الإيمان ودلالاته في اصطلاح أهل السنة والجماعة :



 



الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد 



 



   فنظراً لعِظَمِ هذه الكلمة وهي " الإيمان " وخطر ما رتَّب الله عز وجل عليها من أحكام ؛فجعلها أصل الدين ، ومعقد الولاء والبراء ، والفارق بين أهل السعادة والشقاء في الدنيا والآخرة ؛اعتنى أهل السنة والجماعة ببيان معناها ودلالتها ، وتوضيح ما يترتب على ذلك من أحكام عقدية وعملية ، وفيما يلي سأذكر كلام أهل العلم في ذلك بأسلوب سهل موجز ، وبالله التوفيق .




الإيمان لغة هو : التصديق . قال الأزهري : " اتفق أهل العلم واللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه التصديق ، ومنه قوله تعالى : " وما أنت بمؤمن لنا  ولو كنا صادقين " ( سورة يوسف آية 17)  أي بمصدِّق لنا 1.  




مع ملاحظة أن لفظ الإيمان فيه زيادة دلالة لغوية على مجرد التصديق ، ففيه إشارة إلي طمأنينة القلب والإذعان والإتباع والانقياد ، ولذلك استعملت كلمة الإيمان للتصديق بالأخبار عن الأمور الغائبة أو الغيبية ولم تستعمل في جميع الأخبار  قال تعالى : ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) (سورة البقرة آية 5) 2.   .




وأما معنى الإيمان اصطلاحاً : -



فقد عرَّفَه أهل السنة بأنه : " تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان " 3 .



 قال الإمام البغوي :" اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة علي أن الأعمال من الإيمان وقالوا: " إن الإيمان قول وعمل ونية " 4 .



     وقد عبَّر بعض أهل العلم عن هذا المعنى بقولهم :" الإيمان قول وعمل " ، أي : قول القلب واللسان ، وعمل القلب والجوارح " .



فالقول قسمان : قول القلب وهو الاعتقاد، وقول اللسان وهو النطق بكلمة الإسلام  الشهادتين .




والعمل قسمان : عمل القلب وهو الإخلاص والمحبة ونحو ذلك ، وعمل الجوارح أي الأعضاء كالصلاة والحج 5.  




    ومن هذا التعريف يتبين أن الإيمان  ليس شيئاً واحداً ؛ بل هو مركب من ثلاثة أمور ، كلها لازمة وواجبة لتتحقق الإيمان وهي : اعتقاد القلب ، وإقرار اللسان ، وعمل الجوارح .




ويتفرع عن هذه الأمور الثلاثة أعمال وشُعَب وأجزاء متفاوتة ، ولذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم في حديث ابن هريرة : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها شهادة لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق  والحياء شعبة من شعب الإيمان ) متفق عليه.




قال الإمام الشافعي : " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركناهم : أن الإيمان قول وعمل ونية ، لا يُجزي واحد من الثلاثة إلا بالآخَرَ " 6.  



 



الأدلة على أن أعمال الجوارح داخلة في الإيمان :



(1)  قوله تعالى : " وما كان الله ليضيع إيمانكم " (سورة البقرة 143) .



قال أهل العلم في تفسيرها : أي صلاتكم ؛ لأن الآية نزلت لما سأل المسلمون النبي صلي الله عليه وسلم عمن مات قبل تحويل القبلة إلى مكة ما حكم صلاتهم ؟ ،  فنزلت الآية 7. 



(2)  وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم   قال لوفد عبد ابن القيس :" آمركم بالإيمان بالله ، أتدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ،وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا من المغنم الخمس " متفق عليه .



فجعل النبي صلى الله عليه وسلم   الصلاة والزكاة والصوم وهي من أفعال الجوارح جزءاً من  الإيمان .



(3)      وجاء في حديث أبي هريرة مرفوعاً : " الإيمان بضع وستون أو وسبعون شعبة أعلاها : قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان " . (أخرجه مسلم ) ، فجعل إماطة الأذى عن الطريق وهو من أعمال الجوارح جزءا من الإيمان .



 



والدليل على أن اعتقاد القلب وتصديقه داخل في الإيمان :



(1)  قوله تعالى : " ولما يدخل الإيمان في قلوبكم " (سورة الحجرات 14).



(2)  قوله صلى الله عليه وسلم  في حديث أبي برزة رضي الله عنه :" يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه – وفي لفظ : ولم يؤمن بقلبه – لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ..." رواه البيهقي ، فنفى عن هؤلاء دخول الإيمان في قلوبهم .



 



والدليل على أن قول اللسان يدخل في مسمى الإيمان :



(1)  قوله تعالى : " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " ( سورة النور 51 ).



(2)  وقوله تعالى : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا .." (سورة آل عمران آية رقم  7) .



(3)  قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة المتفق عليه : " الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قـول لا إله إلا الله - وهذا قول باللسان - وأدناها إماطة الأذى عن الطريق - وهذا عمل بالجوارح -  والحياء شعبة من شعب الإيمان " وهذا عمل القلب .



 



الهوامش = = = = = = = = = = = = = =



1   انظر : تهذيب اللغة 15/513 ، تفسير ابن كثير 2/453.



2   انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام 7/530. 



3   انظر : التمهيد لابن عبد البر 9/238  ، تفسير ابن كثير 1/39 ، شرح العقيدة الطحاوية 2/ 459 ،



3   مختصر معارج القبول177.



4   شرح السنة للبغوي 1/38.



5   شرح العقيدة الواسطية 179. 



     6   جامع العلوم والحكم لابن رجب  1/104.



    7   كما جاء ذلك في صحيح البخاري من حديث البراء رضي الله عنه ، وانظر :     أحكام القرآن لابن العربي 1/62.



» تاريخ النشر: 2010-03-24
» تاريخ الحفظ: 2024-03-28
» شبكة الشفاء الاسلامية
.:: https://www.ashefaa.com ::.