الانتخابات السودانيّة.. الاتجاه نحو انفصال الجنوب

الانتخابات السودانيّة.. الاتجاه نحو انفصال الجنوب


بقلم: عبد الرحمن أبو عوف



 


سواء خاضت أحزاب المعارضة الشمالية الانتخابات الرئاسية السودانية أو استمرت الحركة الشعبية في مقاطعتها والإصرار على سحب مرشحها ياسر عرمان في مواجهة مرشح المؤتمر الوطني الرئيس عمر البشير، فإن هذه المعركة مهما كانت نتائجها لن تشكِّل طوق نجاة من حزمة المشكلات السياسية التي تحاصر السودان منذ عقود طويلة، بل لعلها، وحسب مراقبين، ستكرّس أجواء الانقسام وتزيد من الاحتقان السياسي، بل وستضع وحدة البلاد على المحكّ مع اقتراب موعد الاستفتاء على مصير الجنوب، المقرَّر حسب اتفاق نيفاشا في كانون الثاني القادم إذا سارت الأمور في مسارها الطبيعي.


فهذه الانتخابات التي تعدّ أحد إفرازات اتفاق السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005، لن تستطيع بعد السجالات السياسية السائدة في الساحة السياسية والاتهامات المتلاحقة للحزب الحاكم بالتلاعب في قوائم الناخبين واستغلال إمكانيات الدولة لخدمة حملة الرئيس البشير وما تلا ذلك من مقاطعة أعدد من الأحزاب السودانية للاستحقاق الرئاسي، ستقف حجر عثرة أمام تحقيق الرئيس البشير لعدد من الأهداف أراد تحقيقها، وفي المقدمة الاحتماء بشرعيتها من أمر التوقيف الصادر من محكمة الجنايات الدولية، وتربص مدّعيها العام أوكامبو برأس الدولة السودانية منذ أكثر من عام بتهمة التورط في ارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور.


برامج هشَّة


ولعل ما يعزِّز هذا الطرح أن معظم هذه الأحزاب وعبر ألوان طيفها السياسي وأيديولوجيتها المختلفة لم تنجح في تقديم برنامج انتخابي قادر على حلحلة مشاكل السودان، مركزةً على سبل إسقاط الحزب الحاكم دون تقديم أي تصوُّر واضح للعديد من التحديات الخطيرة المهدِّدة لوحدة البلاد واستقرارها، وعلى رأسها كيفية التعاطي مع استفتاء تحديد مصير الجنوب، في وقت تعالت الأصوات المنادية بالانفصال سواء بين قادة ومنتسبي الحركة الشعبية أو بين تيارات شمالية معتبرة ترغب في نفض يد الشمال من مشكلات وأوحال الجنوب بحسب وصفها، فضلاً عن طرح حلول لمشكلات مستقبل العلاقة مع الجنوبيين، أو في ما يخصُّ البرامج الاقتصادية والتنموية بشكل يشير إلى ضعف هذه الأحزاب وافتقادها لأي رُؤًى متكاملة تستطيع مواجهة آلام وطن تواجهه خيارات أغلبها مرٌّ.


ولا يمكننا بالطبع كذلك تجاهل تداعيات انسحاب مرشح الحركة الشعبية للانتخابات الرئاسية ياسر عرمان، خصوصاً أن هذا الانسحاب قدَّم دلائل واضحة على تصاعد المخاطر على وحدة السودان وترجيح كفة التيار الانفصالي داخل الحركة الشعبية، وعودة عُرى الوحدة الطوعية إلى خلفية المشهد السياسي في الجنوب وتركيز ساسة الجنوب على ضمان انعقاد استفتاء تحديد مصير الجنوب في موعده المقرر، طبقاً لاتفاق نيفاشا، وهو ما حدا بقادة الحركة للتعامل بجدية مع تهديدات الرئيس البشير بتأجيل الاستفتاء في حالة استمرار المطالبة بتأجيل الانتخابات، وهو ما حدا بقادة الحركة للتراجع عن المطالبة بالتأجيل, سعياً لتأمين عقد الاستفتاء والاكتفاء بسحب عرمان من السباق الرئاسي.


صفقات وضمانات


ولا يغيب عن المشهد السياسي في السودان حالياً ما يردِّدُه البعض من وجود صفقة بين الحزب الحاكم والحركة الشعبية تم بموجبها سحب ياسر عرمان من مواجهة البشير، واستمرار مرشحي الحركة في خوض الانتخابات التشريعية في مقابل تقديم ضمانات من المؤتمر الوطني بعقد استفتاء الجنوب في موعده وعدم وضع العراقيل أمام التئامه، وما يعزز هذه الصفقة أن الحركة الشعبية رغم علاقتها المتوترة بشكل مستمر مع الرئيس البشير إلا أنها تعتبر استمرارَه في سدة السلطة الضامن الوحيد لإتمام الاستفتاء والقبول بنتائجه مهما كانت، بل وتأمين انفصال الجنوب بعيداً عن المواجهات الدموية.


ومن مفارقات الموقف الراهن في السودان أن التطورات الأخيرة مرَّت دون وجود أدنى اهتمام من جانب الدول العربية، ومنها بالطبع مصر، رغم التهديدات الخطيرة التي يشكلها انفصال الجنوب على أمنها واستقرارها، لدرجة أننا لم نسمع صوتاً واحداً من مسؤول مصري يدلي بدلوه في هذه التطورات، بل إن الموقف عكسته تصريحات الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الذي اعتبر التجاذبات الداخلية في السودان شأناً داخليّاً لا ينبغي التدخل فيه، مما قدم إشارات على افتقاد العرب لأي بعد استراتيجي حيال مصير السودان واكتفاء دول الجامعة بالإعلان عن إنشاء مدرسة هنا أو افتتاح مستشفًى هناك، دون إرادة حقيقية للحفاظ على وحدة السودان وإغراء الجنوبيين بالتصويت الطوعِي للوحدة.


اهتمام مريب




 


ولكن التجاهل العربي للتطورات السودانية قابلَه كالعادة اهتمامٌ أمريكي غربي بضرورة انعقاد الانتخابات في موعدها وعدم القبول بأي تأجيل لها، سواء عبر الموفد الأمريكي سكوت غريشن أو على لسان عدد من الدبلوماسيين الفرنسيين، حيث مارست كل من واشنطن وباريس ضغوطاً على كافة الأطراف للوصول الى تسوية تضمن عدم تأجيل الانتخابات، وهو ما فتح الباب على مصراعيه للبحث عن أسباب الاهتمام الأمريكي بالملفّ السوداني في هذا التوقيت والتمسك بعقد الانتخابات في موعدها، رغم المواقف المعادية من قِبل الموفد الأمريكي لوحدة السودان وحديثه المتتالي أمام الكونغرس عن تطلعه لانفصال الجنوب.


ومن السهولة بمكان تفسير هذا الموقف, فواشنطن حسب د. السعيد البدوي العميد السابق لمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة راغبةٌ بقوة في مرور الاستحقاق الانتخابي بسلام رغم التجاوزات من أجل تأمين إتمام استفتاء الجنوب في هدوء وفي موعده، فضلاً عن قبول حكومة الخرطوم بنتائجه، بل والاعتراف بالانفصال في حالة تأييد الأغلبية لهذا الخيار. مرجِّحاً إمكانية إبرام صفقة بين واشنطن والخرطوم حول الانتخابات والمحكمة الدولية والجنوب، لتأمين مرور هادئ لهذه الملفات.


وانتقد البدوي غياب أي اهتمام عربي بالأوضاع في السودان، رغم أهميته الاستراتيجية وتكريس انفصال الجنوب لحزمة من التهديدات، وفتحها الباب على مصراعيه لقوًى معادية لاستخدام الدولة الوليدة لمحاصرة خاصرة العرب الجنوبية، وتجويع ملايين العرب مائيّاً، إلا أن هذه التحديات لم تحرِّك ساكناً لدى العديد من الدول العربية.


ولا شكّ في أن السودان مقبلٌ على عام هو الأصعب منذ حصول البلاد على استقلالها، يتضمن عدداً من الخيارات الصعبة، أهمها استفتاء الجنوب وتصويت الجنوبيين على الوحدة الطوعية أو الانفصال، في وقت تشير فيه كل الترجيحات إلى أنه صار مسألةَ وقت فقط، لا سيَّما أن الصعوبات التي تواجه النظام في الخرطوم تجعل قدرته على فعل الكثير للحفاظ على وحدة البلاد أمراً شديد الصعوبة، في ظل دعم غربي للانفصال وتجاهل عربي تام لمخاطره.

: 2010-04-16
طباعة