موقف الجماعة الاسلامية من المحكمة الدولية

رئيس المكتب السياسي يوضّح الموقف من المحكمة والسلاح:


مواقف "الجماعة الإسلامية" بين الخصوصية الذاتية والاستثمار المخادع! 


فادي شامية


ليس جديداً القول إن الصراع السياسي في لبنان من الحدة أنه يجيّر أو يصور أو يستثمر أي موقف أو حدث لصالح فريق من فريقي الانقسام 8 و14 آذار. تسري هذه القاعدة على الفريقين، ويتفوق فيها فريق 8 آذار، بآلته الإعلامية الضخمة من جهة، وبتحرره -أكثر من سواه- من الضوابط المهنية للعمل الإعلامي، من جهة أخرى. وهكذا فقد بات تصوير الأمور على غير حقيقتها، ووضعها في غير إطارها، أمراً عادياً في الحياة السياسية والإعلامية في لبنان، سواء فيما يتعلق بالشأن الإقليمي، أو المحلي -من باب أولى-.


 


ولأن الحال على هذا الشكل، فقد نُسجت روايات وتحليلات مضللة مؤخراً، بالاستناد إلى أن "الجماعة الإسلامية" لم تشارك في تظاهرة 13 آذار الماضي.


 


خصوصية "الجماعة الإسلامية"


الواقع أنه، لا يمكن مقاربة مواقف "الجماعة الإسلامية" بمعزل عن فهم خصوصيتها. فالجماعة هي حركة دعوية في الأساس؛ لها رؤيتها الخاصة التي لا تقتصر على السياسة، ولها أدبياتها الحركية التي تجعلها خارج الاصطفافات الحادة لفريقي 8 و14 آذار، وهي حركة تنتمي إلى مدرسة "الإخوان المسلمين"، وعلاقاتها في هذا الإطار ممتدة حول العالم، بشكل يبدو –كأوضاع العالم العربي-غريباً أحياناً. 


 


هذه الخصوصية تعني؛ في ملامستها للواقع السياسي اللبناني، حرصاً شديداً من الجماعة على تلافي المواقف السياسية الحادة -خلافاً للمواقف في حال المس بالمعتقدات-، وتجنباً للانخراط في الاصطفافات السياسية، ومقاومة شرسة لمحاولات الاستتباع السياسي أو مجرد الظهور بهذا المظهر، وحرصاً على مراعاة واقع تنظيمات "إخوانية" أخرى شقيقة.


 


كما تعني –استتباعاً- أن الطرح السياسي للجماعة لن يكون بحال متطابقاً بالجملة مع أي الفرقاء السياسيين، خصوصاً أن الأنوية الحركية داخل الجماعة تعمل على صهر الفكر الحركي للمنتسبين، لكنها لا تفعل الشيء نفسه بالنسبة للشأن السياسي التفصيلي (خارج النقاط العامة للوثيقة السياسية)، ما يسمح بتباينات كثيرة، يعتبرها البعض –داخل الجماعة وخارجها- عامل ضعف وبطء في الحركة السياسية، بينما يعتبرها آخرون عامل قوة وإثراء وتؤدة سياسية.


 


هذا "التأصيل" لـ "خصوصية" الجماعة في الواقع السياسي اللبناني ضروري لفهم مجمل الأداء السياسي للجماعة، منذ العام 2005 وحتى الآن، وليس لفهم الموقف الأخير للجماعة (13 آذار)، على اعتبار أن لا تبديلاً جوهرياً في الأداء السياسي منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، بمعزل عن مشاركة أو عدم مشاركة الجماعة في هذا الحدث أو ذاك.


 


المواقف بالمفرّق والتقارب مع 14 آذار!


انطلاقاً من الخصوصية المتقدمة، ولأن الواقع السياسي اللبناني قائم على انقسام حاد منذ العام 2005، فقد تعاملت الجماعة مع القضايا السياسية المطروحة بالمفرق وليس بالجملة، ليس لأنها خارج الاصطفافين الكبيرين فحسب، وإنما لأن ثمة ما يتقاطع فيه الموقف مع هذا الفريق أو ذاك. وعلى هذا الأساس فقد حُسبت الجماعة خطأً ضمن فريق 14 آذار، لأن مقاربتها للملفات الكبرى كانت –وما زالت- قريبة من طروحات هذا الفريق أو متقدمة عليها أحياناً.  


 


وقد أسس هذا التقارب إلى قيام تحالفات انتخابية نقابية وبلدية ونيابية كثيرة مع "تيار المستقبل" خصوصاً، و14 آذار عموماً.  كما أسس لمشاركة الجماعة في أكثر من فعالية كبرى لـ 14 آذار؛ لا سيما 14 آذار 2005 (أصدر المكتب السياسي بياناً في 12 آذار دعا فيه إلى "المشاركة وفاءً لذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري")، و14 شباط 2006 (أصدر المكتب السياسي بياناً في 13 شباط مما جاء فيه: "إنّ الوفاء للرئيس الشهيد يدعونا جميعاً للمشاركة الفعّالة بهذا الحدث الكبير")، ومثيل ذلك في 14 شباط 2007 و2008 و2009، و2010، وقد ألقى ممثلون عن الجماعة كلمات في عدد من هذه التجمعات أحياناً، وصولاً إلى 14 شباط 2011 حيث شاركت الجماعة في إحياء الذكرى، في الحشد الذي أقيم في مجمع البيال، بدعوى من قوى 14 آذار.


 


كما شاركت "رابطة الطلاب المسلمين"، الذراع الطالبي للجماعة، مع المنظمات الشبابية لقوى 14 آذار في ساحة الشهداء، في أكثر من مناسبة، وأقامت خيمة لها عقب جريمة اغتيال جبران تويني في 12/12/2005، فضلاً عن مشاركتها في التظاهرة التي أعقبت اغتيال النائب والوزير بيار جميل في 23/11/2006، وقد ألقى رئيس مكتبها السياسي آنذاك أسعد هرموش كلمة تضامنية.


 


ومع ذلك، فإن هذا التقارب لم يمنع من حدوث تباين في أكثر من ملف سياسي محلي أو إقليمي، كما لم يمنع من خوض الجماعة الانتخابات في وجه "تيار المستقبل" نفسه؛ نقابياً (نقابة المهندسين على سبيل المثال ما أدى إلى خسارة 14 آذار الانتخابات في إحدى المرات) وبلدياً (انتخابات برجا مؤخراً على سبيل المثال) ونيابياً (في الشمال والبقاع في الانتخابات الأخيرة)، استناداً إلى ما اعتبرته الجماعة تهميشاً لها.


 


الموقف من المحكمة والسلاح


تعبّر "الجماعة الإسلامية" بأسلوبها الخاص عن موقفها من الملفات الكبرى؛ وعلى رأسها المحكمة والسلاح، بما لا يجعله متطابقاً مع أي الفرقاء الآخرين. 


 


في موضوع المحكمة يعرض المسؤول السياسي لـ "الجماعة الإسلامية" في لبنان عزام الأيوبي الموقف اليوم على الشكل الآتي: "نحن لم نكن جزءاً من طاولة الحوار التي وافقت على قيام المحكمة الدولية، ولكننا أيدنا ما أجمع عليه اللبنانيون، وبما أن المحكمة قامت على هذا الإجماع، وقد باتت واقعاً لا يمكن تغييره، فإن موقفنا منها يتحدد استناداً إلى ما سيصدر عنها (القرار الاتهامي)، فإذا كان القرار مستنداً إلى أدلة لا يرقى إليها الشك قبلناه، وإذا كان ضعيفاً أو مسيساً رفضناه... وعليه، فإن الجماعة لا تجد نفسها مضطرة لتحديد موقفها من القرار الاتهامي قبل صدوره، لأن ما يثار حول تسييس القرار من عدمه يتحدد عند صدور القرار لا قبله".  


 


أما في موضوع السلاح، فيميّز الأيوبي بين السلاح المستعمل في الداخل؛ حيث يرى أنه "سلاح فتنة ينبغي منعه ورفع الغطاء عنه، أياً كان مستخدمه"، وبين "سلاح المقاومة، الذي يتوجب الحفاظ عليه، لكن بصيغة تبعده عن الإشكاليات العديدة التي يعاني منها، والتي تسببت في تصدّع الإجماع الوطني الذي لطالما كان السند الأكبر له، وأهم هذه الإشكاليات اثنتان: الحصرية، والتأثير على التنافس السياسي الداخلي". وإذ يبدو موقف الجماعة من هذا الموضوع هادئاً في الظاهر، إلا أنه في العمق خلاف ذلك، لأن "الجماعة تعتبر نفسها جزءاً من المقاومة، وعليه فإنها ترفض أن تكون المقاومة حكراً على حزب أو فئة، إذ لا حصرية من أجل الدفاع عن لبنان لأحد، كما أن هذا السلاح، وأي سلاح مقاوم آخر لا ينبغي أن يكون متناقضاً مع مفهوم الدولة الديمقراطية".


 


على أي حال، فإن موقف الجماعة من السلاح ليس جديداً، إذ سبق أن قدّم الأمين العام السابق للجماعة الشيخ فيصل مولوي عام 2006 رؤية الجماعة لـ "الإستراتيجية الدفاعية" على الشكل الآتي: "أن تعلن الدولة اللبنانية أنّها تعتبر المقاومة الشعبية جزءاً من استراتيجيّتها الدفاعية، تعمل إلى جانب الجيش النظامي، وفق صيغة تقرّرها مؤسّساتها الدستورية تحفظ حقّ الدولة في قرار الحرب والسلم، وتحفظ حقّ هذه المقاومة في دفاعها عن لبنان إذا وقع اعتداء عليه". ويبلور النائب عن "الجماعة الإسلامية" عماد الحوت هذه الرؤية اليوم باقتراح عملي، يقوم على أساس إنشاء ما يسمى "هيئة المقاومة العليا" (على غرار "هيئة الدفاع الأعلى")، بحيث لا تكون الإمرة على السلاح بيد جهة واحدة في لبنان. 


 


يوم 13 آذار


مع أن عدم مشاركة "الجماعة الإسلامية" في تظاهرة 13 آذار لا يحمل أي معنى سياسي، وأنه يأتي بعد مشاركة الجماعة في مناسبة 14 شباط هذا العام، على جاري عادتها، فقد وُضع هذا الأمر –إعلامياً- في موضع الاستثمار السياسي، الذي يخدع الجمهور ولا يعطيه الصورة الحقيقية للواقع، لكن، ومن خلال التدقيق في الموضوع يتبين الآتي:


 


1-  لم تصدر "الجماعة الإسلامية" بياناً تعبّر فيه عن عدم مشاركتها، أو تدعو فيه أنصارها إلى عدم المشاركة، وإنما استُصرح مسؤولها السياسي، فأكد ما هو معروف من أن الجماعة ليست جزءاً من 14 آذار، وتالياً فهي ليست ملزمة بالمشاركة، فضلاً عن أنها حضرت في لقاء البيال في 14 شباط، على المستوى النيابي.


 


2-  مع أن مواقف الجماعة قريبة من 14 آذار كما هو ظاهر فيما تقدم، إلا أنها لم تعلن يوماً أنها جزء من هذا الاصطفاف أو أنها قريبة منه، وتالياً فإن كل الكلام عن خروجها أو ابتعادها عن 14 آذار في غير محله، خصوصاً أن مواقف الجماعة من المحكمة والسلاح واضحين، كما أن موقفها من الحكومة العتيدة واضح، إذ عبّرت الجماعة -ببيان واضح- عن امتعاضها على طريقة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، وكانت جزءاً من اجتماع دار الفتوى الذي أقر "وثيقة الثوابت الإسلامية الوطنية"، والتي عبّر "حزب الله" عن رفضه لها من خلال "جماعته" من السنّة، قبل أن يعبّر عن هذا الموقف "المجلس الشيعي الأعلى" والحزب نفسه.


 


3-  رغم أن سياسة "الجماعة الإسلامية" تقوم على أساس التواصل مع الجميع، ولا سيما مع "تيار المستقبل" و"حزب الله"، فإن اللقاء الشهري مع "حزب الله" كان ولا يزال يشهد تبايناً واسعاً في مقاربة الملفات الداخلية، الأمر الذي ينعكس على البيان الصادر عنه، فهو إما يتجنب ذكر الملفات الداخلية كلياً أو يلجأ إلى التعميم. علماً أن حجم الاستياء من مواقف "حزب الله" داخل صفوف الجماعة بات أكبر من أي وقت مضى، بمن في ذلك الشريحة التي لا ينسجم هواها مع بعض أو كل مكونات 14 آذار.


 


4-  على الرغم من "الشغل" الإعلامي المركز من قبل إعلام 8 آذار لإظهار التباينات بين "الجماعة الإسلامية" و"تيار المستقبل"، فإن الواقع يظهر أكثر من تباين بين الجماعة و"حزب الله"، وهو أمر لا يقتصر على الملفات الداخلية (مثلاً يركز هذا الإعلام على كون الجماعة كانت سباقة في دعم الثورة المصرية خلافاً لتيار "المستقبل"، ويتغافل عن التباعد الكبير بين الجماعة والحزب في النظرة إلى ما يجري في البحرين!). 


 


5-     ثمة إشكالية دائمة في علاقة الجماعة بالحزب؛ تمنع من قيام علاقة سليمة بينهما، طالما بقيت الواجهات السنية المدعومة من "حزب الله" حول الجماعة، بما يشوّش عليها، وعلى تاريخها... وبالأساس فإن وجود هذه الواجهات نفسها دليل على عدم سلامة العلاقة، إذ لو كان ثمة انسجام لما اضطر الحزب إلى تأسيس ودعم هذه الواجهات، لتكون بديلاً عن ممانعة الجماعة لرغبات الاستلحاق السياسي التي يريدها "حزب الله" منها.        


 


البروباغندا قد تصور الأمور على غير حقيقتها، لكن ثمة حقيقة واضحة أن "الجماعة الإسلامية" ليست جزءاً من أي من الاصطفافين الكبيرين في لبنان -ولن تكون-، أما الابتعاد والاقتراب من فريق سياسي دون آخر فمرتبط بالموضوع، وليس بالاصطفاف نفسه، وفق ما تردد قيادات الجماعة دوماً.  

: 2011-03-19
طباعة