« ما بين مصر وسوريا »






قوى لبنانية تنسجم مع نفسها·· وأخرى تتناقض مع حالها:
عندما يتحوّل الإعلام من تأييد شعب مصر إلى تأييد النظام في سوريا



 



فادي شامية



أدى انتقال التحركات الشعبية من بلد عربي (من محور معين)، إلى بلد عربي (من محور آخر)، إلى عدم انسجام في المشهد السياسي لدى بعض القوى السياسية في لبنان.



 



فإزاء ما عُرف باسم "ثورة 25 يناير" المصرية، شهدنا مواقف وتحركات تضامنية، نفذتها قوى يسارية وإسلامية في لبنان للتضامن مع المحتجين ضد النظام. يومها تظاهر المحتجون من تنظيمات وأحزاب مختلفة أمام السفارة المصرية في بيروت للتنديد بالقمع الذي تمارسه السلطات المصرية، وقد تُوّجت موجة التعاطف العارمة بمسيرات راجلة وسيارة واحتفالات بـ "انتصار الثورة المصرية". بالعموم؛ فقد تحرّك تضامناً يومها فريق الثامن من آذار مضافاً إليه قوى إسلامية أخرى أبرزها "الجماعة الإسلامية"، فيما التزمت قوى 14 آذار الصمت أول الأمر، ثم أعلنت تعاطفها مع "إرادة الشعب المصري" الذي استمد "روح ثورته من الثورة التونسية وقبلها ثورة 14 آذار نفسها". وقد اعتبر فريق 8 آذار هذا الموقف يومها خجولاً، وقد دفعت إليه الضرورة (تعاظم الاحتجاجات وتهاوي النظام) ليس إلا.



 



لم تمض أيام على انتصار الثورة المصرية، حتى لاحت ثورة أخرى أطلقت على نفسها اسم "ثورة 15 آذار" السوية؛ اعتمدت وسائل التحفيز نفسها تقريباً (facebook…)، ورفعت شعارات مماثلة لشقيقتها المصرية (الحرية والديمقراطية ومكافحة الفساد...)، وسارت بالمسار الشعبي نفسه تقريباً، حتى الآن على الأقل... وإزاء هذه التحركات الشعبية تحديداً؛ تبدل المشهد لدى المتحمسين سابقاً للثورات العربية، فيما كان لافتاً ثبات قوى 14 آذار على الموقف نفسه: "عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة"، و"احترام إرادة شعوب تلك الدول"، علماً أن المصلحة والرغبة السياسية لهذه القوى تقود بالتأكيد باتجاه التعاطف مع المحتجين في سوريا، وهذا ما لم يظهر، لا في المواقف ولا في التحركات، بل ظهر عكسه، وهو لجم أي موقف أو تحرك محتمل يعبر عن تعاطف مع المحتجين السوريين!.  



 



 



وهكذا ظهر، في لبنان خلال أقل من شهرين، مشهدان؛ الأول منسجم مع نفسه (14آذار)، بغض النظر عن أسباب ومدى صحة هذا الموقف غير المتفاعل مع الثورات العربية عموماً، إلا من باب احترام رغبات الشعوب في التغيير. وموقف آخر غير منسجم مع نفسه؛ وقد تعرض للتبدل حسب الاعتبارات الخاصة لكل فريق!.



 



ولعل حال الفريق الثاني (8 آذار والقوى الإسلامية واليسارية أخرى) يصل إلى قمة تناقضه مع نفسه، عندما يتحوّل إعلامه ("حزب الله" وحركة "أمل" مثلاً) من تأييد الشعب في مصر إلى تأييد للنظام في سوريا، ومن التعاطف مع المحتجين المصريين إلى بث روايات النظام في سوريا، بل بث الأكاذيب التي تسيء إلى لبنان أحياناً في مزايدة غير مفهومة على النظام السوري نفسه!.



 



أما لدى اليسار في لبنان (الأحزاب الشيوعية واليسارية والقومية) فثمة تناقض ذاتي في المشاعر؛ من جهة هم متعاطفون مع المحتجين، ومن جهة أخرى فإن المصلحة السياسية والتحالفات الحزبية تدعو إلى التعاطف مع النظام، لذا فإن الترقب هو المخيم على مواقف هذه القوى، علماً أنها كانت ناشطة جداً -وقاسية جداً- في انتقاداتها لقمع النظام المصري السابق للمحتجين، وقد تُرجم ذلك مواجهات مع رجال الأمن اللبناني أحياناً قرب السفارة المصرية في بيروت.



 



يبقى الإسلاميون السنة ممن لا يرتبط بـ "حزب الله" ("الجماعة الإسلامية" والقوى السلفية مثلاً) فهؤلاء متعاطفون حتى النخاع مع "إخوانهم" المحتجين في سوريا، لكن القيادة السياسية لم تظهّر واقع القواعد والمناصرين، سواء بالمواقف أو التحركات، لأسباب سياسية، وتنظيمية...مع العلم أن الإسلاميين معروفون بمناصرة ودعم شعوب عديدة وبعيدة؛ على أسس: المظلومية، ورابط الدين، وحق النصرة (الأفغان، والبوسنيون، والألبان، الشيشان، الإيغور...)، كما أنهم أنفسهم كانوا متحمسين ومتضامنين مع الثوار المصريين، وكانوا يعيبون على الآخرين برودتهم... ما يجعل برودتهم الحالية إزاء قتل المدنيين في سوريا لافتة للغاية.  



 



في استعادة كلية لمواقف القوى السياسية إزاء ما يجري في الشقيقة سوريا نجد أن الحذر الشديد هو المسيطر على من يتعاطف فعلياً مع المحتجين المطالبين بالإصلاح (خصوصاً لدى من سبق أن تعاطف مع المحتجين المصريين)، وأن الحسابات السياسية والإقليمية هي التي تسيطر على مواقف الفريق الآخر (رغم أنه دعم الثوار المصريين سابقاً)، فتكون حصيلة ذلك برودة لم يشهدها لبنان سابقاً، إزاء أي حدث آخر بهذا الحجم، في أي دولة بالعالم... حتى لو كانت الصين!.



 



» تاريخ النشر: 2011-04-12
» تاريخ الحفظ: 2024-03-29
» شبكة الشفاء الاسلامية
.:: https://www.ashefaa.com ::.