الثورة السورية (3): منصورون رغم الخذلان!

الثورة السورية (3): منصورون رغم الخذلان!


فادي شامية


تتوالى الأنباء الآتية من سوريا، وقد صارت الاحتجاجات ثورةً لا يمكن إنكارها. ويتوارد موقف الناس من هذه الثورة؛ ما بين داعم للشعب ومؤيد للنظام، فيما يسجل المراقبون للحراك السوري علامات تميزه عن سوابقه في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا.


ثورة مميزة!


لقد تميزت الثورة السورية؛ بأنها الأكثر حراكاً بين الثورات العربية السابقة والحالية، صحيح أن احتشاداً لمئات الآلاف في ميدان هام لم يُسجل بعد- بسبب وحشية القمع-، لكن الصحيح أيضاً أن ما من منطقة في البلاد إلا شهدت تظاهرة أو اعتصاماً، والصحيح أيضاً أن الثورة السورية سجلت في يوم واحد (جمعة حماة الديار) أكثر من 130 تظاهرة، في المناطق المختلفة لسوريا، وأن الاحتجاجات لم تعد تقتصر على يوم الجمعة، أو ترتبط حركتها بالشمس، ففي الليل تظاهرات كما في النهار، وفي الجمعة تظاهرات كما في باقي أيام الأسبوع. إنها الثورة الأكثر عطاءً من المدنيين حتى الآن، وهي تواجه النظام الأكثر وحشية في قمع التظاهرات، مدعّماً بخبرات إيرانية، فضلاً عن أنها الوحيدة من بين أخواتها الثورات العربية، التي لم تحظ بدعم من الجيش أو بعضه، كما جرى في تونس ومصر (انحياز كامل من الجيش)، وليبيا واليمن (انحياز جزء من الجيش).


ومع ذلك فإن الثورة السورية هي الأكثر خذلاناً لجهة التأييد الخارجي الواجب لها، بين الثورات العربية كلها، وهي الثورة الوحيدة المحرومة من "سلاح" الإعلام، الذي كان متواجداً لحظة بلحظة في مصر -على سبيل المثال-، لذا فإن أبناءها يستحقون أسمى الاحترام لأنهم أثبتوا-مع بالغ الاحترام لجميع الثوار الحاليين والسابقين- أنهم الأكثر شجاعة ونخوة وصبراً، إذ يكفيهم أنهم يتلقون الرصاص الصائب على الرؤوس مع كل صرخة حرية، ويواجهون بصدورٍ عارية جنازير الدبابات مع كل تظاهرة سلمية!.


من أجل ذلك؛ فإنه لا يمكن اعتبار الثورة في سوريا مجرد ملف سياسي تختلف حوله الاجتهادات، ولا مجرد ظاهرة اجتماعية في سياق التاريخ تختلف في أسبابه الآراء... الثورة السورية هي قضية إنسانية، وأخلاقية، ودينية أولاً وقبل أي شيء. إنها قضية المظلوم في دعائه على الظالم، وروعة النضال من أجل الحرية، إنها الصراع بين الحق والباطل بأوضح مظاهره المعاصرة، ولا يمكن لإنسان يدرك معنى الإنسانية، ولا لصاحب خلق يلتزم بالحد الأدنى منها، ولا لصاحب دين، أي دين، أن يرى ما يجري ثم يكون مع الظالم ضد المظلوم!.


ألم الخذلان!


إن متابعة يوميات الثورة السورية تفيد أن المحتجين أحرقوا مراكب عودتهم عن الخيار الذي مضوا فيه، وأن شدة القمع لن تزيدهم إلا تصلباً في المطالبة بإسقاط النظام، وأن حركتهم تشهد تقدماً يوماً بعد يوم؛ في حجمها، وزمانها، وتنظيمها، ورقعة انتشارها، وشمولية ألوانها العرقية والدينية، وأن النظام مهما صارع من أجل البقاء- أياماً أو شهوراً أو سنوات- فإنه سينتهي في يوم مشهود، لكن اللافت أنه في الوقت الذي أخرج فيه السوريون أنفسهم من شرانق الخوف المحبوكة حولهم منذ أكثر من أربعين عاماً، متحملين الكلفة الهائلة لذلك، إذا بأشقائهم العرب والمسلمين يتلحّفون برداء الخوف على النفس، والحرص على المصالح، والخشية من فشل الثورة... فيصمتون صمت أصحاب القبور، ويتخاذلون حتى عن كلمة حق واحدة... يا له من عار!.


 إن نظرة إحصائية للمواقف وللصمت في عالمنا العربي تظهر ذلك بشدة؛ إذ من بين البلدان العربية كلها، لم يخرج موقف واحد يُلقى له بال، أقله في رفض انتهاك حقوق الإنسان وتعذيبه وقتله في سوريا، ولولا موقف مجلس الأمة الكويتي (مطالبة نصف أعضاء البرلمان بطرد السفير السوري في الكويت)، لأمكن القول إنه لا يوجد موقف عربي واحد يحسّ بحرارة دماء المدنيين التي تهرق كل يوم بـ"تهمة" المطالبة بالحرية، بل إنه لمن اللافت حقاً أن يُصدر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكندا عقوبات على النظام السوري، وتُنظم تظاهرات في غير عاصمة غربية أمام السفارة السورية، ثم تبقى السفارات السورية في الدول العربية بمنأى عن تظاهرات منددة أمام مقراتها!.


التحركات الشعبية أيضاً بقيت خجولة، حتى أنها لا تكاد تُذكر؛ فأين الجماهير العربية الهادرة؟ وأين الحركات الشعبية لتقوم بأقل الواجب؟! أين ثوار مصر وتونس المنتصرون لينظموا حشداً مليونياً نيابة عن أشقائهم الثوار المقهورين في سوريا؟! بل أين الإسلاميون الذين يقيمون الدنيا، وينظمون تظاهرات احتجاج من أجل انتهاك حقوق أقلية إسلامية في كشمير أو الفلبين أو حتى في الصين... ثم يتخاذلون عن نصرة أشقائهم الأقرب إليهم... في سوريا؟! هل يجوز أن يشعر الغرب –صادقاً كان أم مخادعاً- بـ"الحرج الإنساني" أكثر من العرب والمسلمين؟ وأن يسعى هذا الغرب إلى إدانة النظام السوري في مجلس الأمن ثم تتحفظ منظمة المؤتمر الإسلامي على بند يحمّل السلطات السورية مسؤولية ما يجري؟ ثم أين هي جامعة الدول العربية؟ وهل يجوز أن يكون صوت المجموعة العربية في مجلس الأمن –ممثلاً بلبنان- متضامناً مع النظام السوري بدلاً من الوقوف إلى جانب الشعب السوري؟! ثم كيف لمعممين يقرؤون قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾ ثم يصمتون أو يدعم بعضهم الظالم على المظلوم؟ كيف يمكنهم أن يخونوا الله ورسوله بهذا المستوى ثم يتصدرون للمنابر والإمامة؟


لقد قطعت الثورة السورية مرحلة إمكانية الاجتثاث، لكن يوم الحصاد ما زال بعيداً -بالحسابات البشرية- غير أنه لا توجد إمكانية للرجوع، فإما أن يسقط النظام بالثورة، أو بقبوله التغيير -المفضي إلى إسقاطه حتماً-، وإما إن تذبح حرية وكرامة الشعب السوري من جديد. 


أهل النخوة في سوريا قرروا، ولهم على أمتهم واجبٌ ... إن تأخر، فإنه لا يصح أن يغيب، ولسوف يسألنا الله أفراداً وجماعات؛ كيف سمعنا استغاثة الأطفال ونحيب النساء وأنين الرجال، ثم ذهبنا إلى فُرُشنا لننعم بالنوم! 

: 2011-05-31
طباعة