« الأباطيل التي ساندت إسقاط حكومة الحريري.. سقطت أيضاً! »






الأباطيل التي ساندت إسقاط حكومة الحريري.. سقطت أيضاً!



فادي شامية
في 18/1/2011 وفيما كان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو يصل إلى بيروت، منضماً إلى رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني، لبحث الأزمة الناشئة عن إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، نفّذ "حزب الله" انتشاراً ميليشوياً غير مسلح، في التقاطعات الرئيسة لبيروت، كرسالة تحذير، وتنفيذاً لتهديدات كان قد أطلقها من أن "مرحلة ما قبل صدور القرار الاتهامي (المتعلق باغتيال الرئيس الحريري وباقي الشهداء) ليست كما بعده".

غبار الأباطيل
في الواقع؛ فقد أدت هذه "الرسالة" فيما بعد إلى تغيير الغالبية النيابية، بعدما قرأها وليد جنبلاط جيداً، فانحاز -وشطرٌ من كتلته النيابية- إلى "خيار المقاومة وسوريا"، وسمى الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة. وما هي إلا أيام حتى قال العماد ميشال عون للرئيس الحريري: One Way Ticket (روحة بلا رجعة) فيما روّجت أوساط "حزب الله" بأن "لعبة الحريري انتهت": Game Over، وأن "حلفاء الحريري تخلوا عنه"، وأنه أغضب السعودية بعدما أفشل مساعي ما عُرف بـ "السين-السين" مستعيناً بالأميركيين، وأن وصول ميقاتي أتى بغطاء قطري-تركي- فرنسي وعدم ممانعة سعودية، بعد أن "غضب الملك السعودي من سعد الحريري، الذي لم يحترم كلمته خلافاً لما كان يفعل والده"، وقد رُوّج لهذه الدعاية كثيراً وزيد عليها، حتى أن إحدى الصحف نشرت ما أسمته معلومات عن توجه النائب بهية الحريري إلى السعوديّة كي "تتوسّط لمصلحة سعد الحريري... لكن الوساطة فشلت، وتبلّغ الحريري أنه لن تدوس قدماه المملكة بعد الآن... (وأن) مشكلة الملك مع الحريري تتعلّق بالعلاقة مع سوريا، (و)على الحريري أن يُعيد تعبيد الطريق مع دمشق".!! (جريدة الأخبار نقلاً عن مصادر مطلعة في 23/2/2011)!.

وازداد المشهد إثارة بجوقة من المحللين "الإستراتيجيين" الذين تناوبت محطات فريق الثامن من آذار على استضافتهم، حيث أكدوا أن سقوط حكومة الحريري يتعدى "أداءه السيئ"، وأنه جزء من تغيير المشهد في منطقة الشرق الأوسط، بعد قيام تحالف استراتيجي إيراني- تركي يشمل أيضاً العراق ولبنان وفلسطين وقطر!

انقشاع الرؤية
لفترة من الزمن صدّق كثير من اللبنانيين هذه الدعاية، وربما وقع بعض السياسيين غير المطلعين ضحيتها أيضاً، لكن ما رُوج له لم يكن إلا غباراً سرعان ما زال، فانقشعت الرؤية عن حقائق، ليست مختلفة وحسب، وإنما معاكسة تماماً. كان ذلك قبل أن يتبدل المشهد الإقليمي بوصول عدوى الثورات العربية إلى سوريا، وإن كان "الابتلاء" الذي أصيب به الفريق الذي أتى بميقاتي إلى رئاسة الحكومة قد ازداد بسبب ما يجري في سوريا.

في الواقع؛ فإنه في الوقت الذي كانت فيه الأباطيل المساندة لإسقاط حكومة الحريري واستبداله بميقاتي في رئاسة الحكومة على أشدها، كان الغضب السعودي-القطري-التركي-الفرنسي على أشده. بدأ مرجل الغضب في الغليان عندما غادر الوفد التركي والقطري بيروت سريعاً غداة ظهور "ذوي القمصان السود"، إذ اعتبرت كل من تركيا وقطر أن ما جرى رسالة "قلة احترام" موجهة إلى كل منهما، وتالياً فقد حمّلت كل من قطر وتركيا فريق الثامن من آذار، ومن خلفه سوريا، مسؤولية إسقاط اتفاق الدوحة. أما المملكة العربية السعودية فقد اعتبرت -كما بدا لاحقاً- أن إسقاط الحريري يستهدفها كما يستهدفه، وقد بَنَت ردود أفعالها على هذا الأساس، فيما كانت خيبة الأمل هي المسيطرة في قصر الإليزيه، بعد كل ما قدّمته فرنسا للنظام السوري من دعم وإعادة تعويمٍ دولي.

هذه الحقائق التي غطى عليها غبار الأباطيل لفترة ما لبثت أن ظهرت على التوالي:

أولاً: ما يتعلق بالسعودية
أبلغت المملكة النائب وليد جنبلاط قراراً حاسماً بقطع علاقتها معه عبر الأمير مقرن بن عبد العزيز. هذه الحقيقة رواها جنبلاط نفسه في مقابلته بتاريخ 24/2/2011 على قناة LBC. قال جنبلاط: "أتفهم ظروفه (الملك)، وربما حصل تشويش عليّ هناك، وكنت بلّغت الأمير مقرن بن عبد العزيز عندما كانوا في نيويورك بالخطوة التي سأقوم بها في ما يتعلق بالتصويت لنجيب ميقاتي، وقلت له أن يبلغ الملك، وقال لي إنه سيبلغ خادم الحرمين، وجاءني الجواب لاحقاً بأن العلاقة انقطعت... أنا عندما احتجت لدعم المملكة دعمتني، وكانت داعمة لبعض المشاريع الكبرى تاريخياً، وأتمنى أن لا ينظر الملك عبد الله إلى أن العلاقة مقطوعة مع وليد جنبلاط فقط، وأن تبقى المساعدات لهذا الجبل"!.

وبالتوازي مع قطع العلاقة مع جنبلاط أُبلغ الوزير محمد الصفدي باستياء المملكة البالغ منه بسبب تسميته حليفه الرئيس ميقاتي بدلاً من الحريري، ما اضطر الصفدي إلى إصدار بيان نفى فيه أن يكون قد تحدث أمام الإعلام عن قطع علاقة السعودية به "وأن علاقته بالمملكة العربية السعودية علاقة طبيعية مبنية على الثقة والاحترام والتعاون" (19/3/2011).

على أي حال؛ فإن من المفارقات أن يكون إعلام فريق الثامن من آذار مهتماً هذه الأيام بعودة الحريري إلى بيروت، بعد إقامته الطويلة في السعودية، وأن يروّج إلى أنه قد "فاز بالرضا السعودي ومُنحت شركته؛ سعودي أوجيه، مشروع بناء قطار في منطقة مكّة، وهي صفقة بقيمة 30 مليار ريال سعودي، أي ما يقارب 8 مليارات دولار أميركي"! (جريدة الأخبار 4/6/2011).

ثانياً: ما يتعلق بقطر
حمّل أمير قطر سوريا و"حزب الله" مسؤولية إسقاط اتفاق الدوحة، الذي تعب القطريون كثيراً للوصول إليه، ما دفع حمد بن جاسم آل ثاني للاتصال بالرئيس ميقاتي ناصحاً إياه بعدم الترشح لرئاسة الحكومة، لكن ميقاتي لم يستجب. هذه الحقيقة كشف عنها ميقاتي نفسه في حديث صحفي لـ "إيلاف" في 31/5/2011. وفي معلومات إضافية أن رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم عاد واتصل بالرئيس نجيب ميقاتي وطلب منه الاعتذار بعد تكليفه، لكنه لم يستجب أيضاً.

الأجواء القطرية هذه لمسها النائب وليد جنبلاط أثناء زيارته قطر نهاية أيار الماضي، حيث سمع من القطريين كلاماً قاسياً بحقه وبحق من أسهم معه في تغيير الغالبية النيابية وإسقاط اتفاق الدوحة، وقد شمل هذا "العتاب" سوريا أيضاً، الأمر الذي دفع جنبلاط إلى تقليص مدة زيارته إلى يوم واحد، والتصريح للصحف بأنه عاد من قطر أكثر تشاؤماً (4/6/2011)!.

ولعل اللافت جداً في ملف علاقة فريق الثامن من آذار بقطر أنه انقلب كالسحر إلى الخصام الشديد، بعد فترة طويلة من التغني والمديح، حتى أن صحيفة السفير نشرت مقالاً مطولاً عن أمير قطر، نقلاً عن أوساط "حزب الله"، وصلت فيه إلى حد تخوين الأمير، وأنه "سعى لكشف موقع السيد حسن نصر الله" غداة طلب الاجتماع به، بهدف المساعدة "على تحديد مكان وجوده عبر الأقمار الصناعية"، وأن الأمير القطري يعمل مع الأميركيين على الترويج للفتنة، وأنه انقلب على والده لحكم الإمارة...(السفير 5/5/2011)!.

ثالثاً: ما يتعلق بفرنسا
اعتبر الفرنسيون أن الرئيس السوري بشار الأسد خدعهم، بعدما مدوا له يد العون، وأن إسقاط اتفاق الدوحة كان آخر ما يتوقعونه منه. هذه الحقيقة سمعها النائب وليد جنبلاط أثناء زيارته فرنسا في وقت سابق من الشهر الماضي، مستشكفاً الوضع، ومتوسطاً لتخفيف الضغوط على سوريا، على خلفية موقف فرنسا من الاحتجاجات السورية الداخلية، لكن جنبلاط سمع كلاماً غير مطمئن، نقله عبر الوزير غازي العريضي إلى القيادة السورية، فيما اكتفى هو من بيروت بـ "مناشدة الرئيس الأسد تحقيق الإصلاحات التي وعد بها".

رابعاً: ما يتعلق بتركيا
لمس وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أثناء وجوده في بيروت في 18/1/2011 بنفسه كيف تجري الأمور في لبنان، ومن يعرقل الحلول فيه، ما انعكس موقفاً رافضاً- وإن بقي غير معلن- لإسقاط حكومة الحريري وتكليف الرئيس ميقاتي تشكيل الحكومة، وتحميل سوريا و"حزب الله" مسؤولية المأزق الذي أُدخل فيه لبنان والمنطقة، ثم جاءت الاحتجاجات في سوريا لتزيد من حدة الموقف التركي تجاه الرئيس بشار الأسد، بعدما شعر التركي أن المشكلة صارت على حدوده. وفي المعلومات أن النائب وليد جنبلاط كما حاول مع فرنسا وقطر- فإنه يزمع القيام بزيارة إلى تركيا، لاستكشاف الأوضاع من هناك، وللوقوف على الموقف التركي من الملفين اللبناني والسوري، ليبنى على الشيء مقتضاه... وهو مقتضى بدأ يظهر في مواقف وتحركات جنبلاط الأخيرة على كل حال.

اللافت هنا أنه في الوقت الذي كان يحدثنا فيه "الخبير الإستراتيجي" أنيس نقاش وغيره أن حلفاً سورياً- تركياً- إيرانياً- لبنانياً قد تشكّل وأن وجه المنطقة قد تغير، إذا بـ"المحلل الإستراتيجي" ميشال سماحة يطل عبر "المنار" ليهاجم "الأخوان المسلمين" و"قلة تهذيب أردوغان" و"تآمر قطر" (3/5/2011)، وإذا بصحيفة "الوطن" السورية تتهم أردوغان بممارسة "الوعظ الإصلاحي المتشاوف" (12/5/2011).

لقد بات واضحاً أن فريق الثامن من آذار قد أطلق "بروباغندا" كبيرة لتغطية "انقلابه"، لكن يبدو أنه وقع هو نفسه ضحيتها، فتعاملت مكوناته بروحية "اقتسام الضحية"، قبل أن تتفاجأ بأن المشهد الإقليمي قد تبدّل، وأن ثلج كانون قد ذاب وبان المرج مليئاً بحقائق مختلفة، فتعثر التشكيل، ودخل البلد حالة الانتظار القاتلة.
 



» تاريخ النشر: 2011-06-08
» تاريخ الحفظ: 2024-03-28
» شبكة الشفاء الاسلامية
.:: https://www.ashefaa.com ::.