واقعة اغتيال عماد مغنية؟!

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
واقعة اغتيال عماد مغنية؟!

   الكاتب :

 

 الزوار : 2777   الإضافة : 2011-09-21

 

بعد ثلاثة أيام على الارتباك السوري حيال اغتيال القائد العسكري لـ "حزب الله" عماد مغنية في دمشق؛ أعلن وزير الخارجية السورية وليد المعلم أن مغنية تم اغتياله، حيث "كان يدخل الأراضي السورية ويخرج منها بأسماء مستعارة"، وأنه "كان يقطن في أحد الأحياء السكنية في دمشق دون حراسة تذكر".

ماهي دلالات إحياء النظام السوري واقعة اغتيال عماد مغنية؟!

فادي شامية

بعد ثلاثة أيام على الارتباك السوري حيال اغتيال القائد العسكري لـ "حزب الله" عماد مغنية في دمشق؛ أعلن وزير الخارجية السورية وليد المعلم أن مغنية تم اغتياله، حيث "كان يدخل الأراضي السورية ويخرج منها بأسماء مستعارة"، وأنه "كان يقطن في أحد الأحياء السكنية في دمشق دون حراسة تذكر". والأهم في تصريحات المعلم أنه وعد بإظهار الجهد الهائل –كما وصفه- لأجهزة الأمن السورية التي تحقق بالموضوع، وأنها "ستثبت قريباً جداً وبالدليل القاطع الجهة التي تورطت في اغتيال مغنية".

مرت نحو ثلاثة أعوام ونصف لم يكشف النظام السوري خلالها ملابسات اغتيال مغنية (من 13/2/2008 تاريخ اغتيال مغنية ولغاية 17/9/2011 تاريخ إعادة إحياء واقعة الاغتيال من خلال عرض موقوف أردني اسمه يوسف أنعيم)، رغم أن الوزير المعلم سبق أن وعد بكشفها في حينه "قريباً جداً". (ولم يكشفها كاملة إلى اليوم).

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة؛ لماذا سكت النظام السوري طيلة هذه المدة؟ ولماذا تذكر عماد مغنية اليوم، رغم أنه منشغل بشدة –كما يُفترض- بقمع الثورة الشعبية (أو مواجهة المؤامرة الخارجية وفق توصيفه)؟.

وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من التنويه بثلاث نقاط سريعة:

أولاً: ليس ثمة مصداقية لأسلوب عرض الاعترافات على الإعلام، فهو فضلاً عن كونه وسيلة تقليدية من وسائل الأنظمة القمعية حصراً، فإنه لا يُعقل أن تكون لهذه "الاعترافات" أية حجية، لأنها ببساطة عرض للرواية التي يريدها النظام -أي نظام وليس النظام السوري فقط- لا رواية المتكلم الفاقد للإرادة، والمسيّر وفق ما يمليه عليه محققوه.

ثانياً: ليس للإعلام السوري –تحديداً- مصداقية أو موضوعية مقبولة مهنياً فيما يبثه. ولقد عرّت أحداث الثورة السورية هذا الإعلام على نحو غير مسبوق، فضلاً عن كون هذا الإعلام مسيّر ومسخّر لخدمة النظام الأمني الذي يعتمد على هذا الإعلام، لإجبار أي شخص على قول ما يمليه عليه النظام، والشواهد على ذلك كثيرة للغاية، ولعل آخرها اعترافات المقدم حسين هرموش قبل يومين على بث اعترافات أنعيم.

ثالثاً: لقد وقع الإعلام الرسمي السوري في ملف الاتهام بالعمالة -تحديداً- بخطأ كبير، أفقده القليل المتبقي من المصداقية، وذلك عندما عرض في 28/3/2011 المهندس المصري محمد أبو بكر رضوان، الذي "اعترف" على نفسه أنه جاسوس لـ "إسرائيل"، يستغل الاحتجاجات الشعبية ليصور من داخل سورية لحسابها، مقابل مئة جنيه للصورة الواحدة! (تبين لاحقاً أنه ينحدر من أسرة شديدة الثراء في مصر). وبعد هذه "الاعترافات" التلفزيونية بأسبوع واحد (3/4/2011) أفرجت السلطات السورية عن المهندس رضوان، بعد ضغوط من سلطات بلاده، وفور عودته إلى مصر نقض رضوان اعترافاته، التي أدلى بها نتيجة التعذيب والخوف والسجن الانفرادي، وفق ما قال!.

ما سبق من ملاحظات لا يهدف إلى تبرئة أو إدانة "الجاسوس" الجديد يوسف أنعيم، وإنما لوضع "اعترافاته" في نصابها من الشك، والبناء على دلالات الرواية بصفتها رواية النظام نفسه، إن لجهة المضمون أو لجهة التوقيت.

أولاً: في المضمون

لم تشف الرواية التي قدمها النظام غليل الراغبين بمعرفة ملابسات اغتيال عماد مغنية، وبغض النظر عن مدى مصداقية ما يعرضه النظام السوري، فإن الرواية التي قدمها لم تكن أصلاً رواية متكاملة تشرح ملابسات الاغتيال وكيف تم، وجلّ ما عرضه التلفزيون السوري هو رواية عن دور شخص واحد –قد تكون صحيحة أو غير صحيحة- أسهم في العملية، من خلال إعطاء مشغليه رقم سيارة مغنية للتأكد أنها له.

إضافة إلى ذلك؛ فإن الرواية بحد ذاتها لا تبدو مقنعة، إذ يعلم كل سوري بالضرورة أن حركة "الجهاد الإسلامي" المحضونة جيداً من النظامين السوري والإيراني ليست بحاجة إلى مواطن أردني غير معروف، ويحمل شهادة في الفلسفة، لتطلب منه مساعدتها في تطوير أمدية صواريخها، إذ وفقاً لرواية التلفزيون الرسمي السوري فقد التقى أنعيم "بشخص في حفل زفاف شقيقته، عرّف عن نفسه بأنّه يحمل إسم محمّد وبأنّه ينتمي لحركة "الجهاد الإسلامي"، وطلب منه الإستفادة من خبرته من أجل تطوير صواريخ!!.

وتزداد غرابة الرواية بقبول "الفيلسوف" أنعيم المهمة الجهادية، وصعوده مع محمد وشخص آخر في سيارة "مفيّمة"، ليجد نفسه فجأة لدى الإسرائيليين!. يقول أنعيم: "بقيت ثلاثة أشهر في السجون الإسرائيلية، واستخدموا كل الأساليب لإقناعي بأنّه لا توجد طريقة أو مخرج لوضعي إلا القبول بالعمل معهم، وأرغموني على التوقيع على تعهد، وحين وجدتُ نفسي محاصراً من كل الجهات، ومهدداً بالبقاء في السجن طوال حياتي، إضطررتُ إلى القبول بالتجنيد لحسابهم في سوريا".

وفي الرواية إياها ذكر لموضوع "التعهد الأمني" الذي له أهمية في تعامل المواطن مع جهاز أمن محلي، - تماماً كما تفعل السلطات السورية- بينما لا قيمة له في تعاطي الموقوف مع جهاز معادٍ، إذ لم يشرح لنا أنعيم ما قيمة التعهد الذي وقعه، وما الذي منعه فور إطلاق سراحه من إبلاغ السلطات السورية أو الأردنية بما جرى معه، ليكون محمياً بل بطلاً قومياً، كما لم يشرح كيف يمكن استغلال التعهد ضده في هذه الحالة؟!.

يضاف إلى ذلك كله؛ أن أهل إياد أنعيم (غنيمات) في الأردن، وفي معرض رفض اتهام ابنهم، قالوا لصحيفة "السبيل" الأردنية المقربة من "الأخوان المسلمين": "إن لدينا وثيقة من وزارة شؤون الأسرى والمحررين؛ تثبت أنه لم يتم اعتقال إياد لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي حتى 17/9/2011 تاريخ إصدار الوثيقة، ما يكذّب الرواية السورية التي تحدثت عن اعتقاله وتجنيده من قبل الموساد الإسرائيلي في منتصف 2006، فضلاً عن وثيقة أخرى تثبت أن حفل زفاف شقيقته كان في عام 2002، وليس كما قالت الرواية السورية التي أكدت أنه سافر إلى الخليل لحضور الحفل في عام 2005، حيث تعرف هناك على شخصين من حركة الجهاد الإسلامي... فهل من المعقول أن ينسى إياد تاريخ زواج أولى شقيقاته، ويتذكر لون سيارة مغنية بعدما شاهدها لمدة ثوان قليلة كما تزعم الرواية السورية؟... ثم ما علاقة الفلسفة التي درسها إياد بصناعة الصواريخ؟ هل لأنه عمل مضيف طيران لفترة من الزمن أصبح خبيراً للصواريخ؟".

ثانياً في التوقيت

بالانتقال إلى توقيت عرض "الاعترافات"؛ وهو الأهم في هذا الموضوع، فالراجح أنها جاءت في هذا الوقت لسببين:

1- لتعزيز دعاية النظام عن وجود مؤامرة خارجية مستمرة تستهدف سوريا.

2- لترميم صورة النظام التي رسمها لنفسه (الممانعة والمقاومة)، والتي تهتكت كثيراً بفعل الثورة السورية.

وللدلالة على هذين السببين الدافعين لعرض "الاعترافات"؛ يمكن الرجوع إلى الخبر الذي وزعته وكالة سانا الرسمية السورية تقديمها لـ "اعترافات" أنعيم. قالت سانا: "يبث التلفزيون (السوري) يوم السبت بعد نشرة أخبار الثامنة والنصف مساء اعترافات جاسوس إسرائيلي؛ يكشف بعض خيوط المؤامرة على سوريا، وكيف شارك في تسهيل اغتيال الشهيد عماد مغنية، وكيف يعمل الجواسيس تحت جنح الظلام لزرع الفتنة واغتيال المقاومين وإغراق البلاد بالفوضى". مع الإشارة إلى أن الإعلان المسبق عن "اعترافات" أنعيم ترافقت مع الإعلان المسبق عن اعترافات الضابط المنشق والمقبوض عليه حسين هرموش، وذلك في خبر واحد!.

لكن؛ إذا عُلم السبب الذي جعل النظام السوري يُخرج "الجاسوس" أنعيم على الإعلام في هذا الوقت بالذات؛ فما هو السبب الذي جعله "ينام على هذا الموضوع" لأكثر من ثلاث سنوات؟ وجاهة السؤال تنبع من كون أنعيم لم يُقبض عليه هذا العام أو الذي قبله، وإنما بعد أشهر على اغتيال مغنية (لم تذكر الرواية الرسمية ملابسات اعتقاله، لكن ذووه قالوا إنه معتقل في سوريا منذ 28/6/2008).

في الإجابة عن هذا التساؤل؛ يرجح أن تكون مصلحة النظام السوري قد قضت السكوت في السابق:

أولاً: لئلا يظهر مدى العجز والتضارب بين الأجهزة الأمنية المختلفة.

ثانياً: لئلا يكتشف أحد من هو المقصر أو المتواطىء في عملية الاغتيال.

ثالثاً: لأن مصلحة النظام في فك عزلته السابقة، اقتضت منه السكوت، وتقبّل المديح الغربي؛ الذي أثنى ضمناً على النظام السوري، بناءً على اعتقاده أن عملية كهذه لا يمكن أن تتم دون تسهيل النظام أو أحد أجهزته لعملية الاغتيال.

وللدلالة على ذلك؛ يمكن الاستفادة من التقارير التي كتبها السفراء الأمريكيون لسلطات بلادهم، والتي كشفها موقع ويكيليكس:

- وفق وثيقة نشرتها صحيفة "الغارديان" بتاريخ 11/1/2011 وصفت المخابرات الأمريكية الوضع كالآتي: "حزب الله يعتقد أن السوريين هم المسؤولون عن اغتيال عماد مغنية في العاصمة السورية دمشق... اغتيال مغنية فجّر لعبة لوم بين أجهزتها الأمنية المتنافسة... لم يحضر أي مسؤول سوري جنازته (مغنية) في الضاحية الجنوبية لبيروت في اليوم التالي، فيما مثّل إيران وزير خارجيتها والذي جاء إلى لبنان، لتهدئة حزب الله".

- وجاء في وثيقة أخرى صادرة عن السفارة الأميركية في دمشق في 13/2/2008 (نشرتها صحيفة "الجمهورية" بتاريخ 13/5/2011): "سوريا محت آثار الانفجار الذي استهدف مغنية. الاتهامات طاولت إسرائيل ولكن لم تبرئ دمشق... قام جهاز المخابرات العسكري بتأمين المكان وتطهيره، مبعداً أجهزة الشرطة عنه، كما قامت شاحنتان بإزالة سيارات عدة من الموقع في مدى 45 دقيقة، بعد الإنفجار الذي هز المباني المحيطة". وفي وثيقة أخرى عن السفارة نفسها صادرة في وقت لاحق (نشرتها الجمهورية أيضاً بتاريخ 7/7/2011): "المعالجة السوريّة لعملية اغتيال مغنية أثارت شكوك إيران وحزب الله" (نسبت صحيفة "الأخبار" لجنبلاط قوله للأمريكيين "إما أن الإسرائيليين قتلوه، أو أن السوريين، وفي الحالتين مقتله يُعَدّ أخباراً جيدة" – ويكيليكس –وثيقة صادرة عن السفيرة الأمريكية في بيروت ميشال سيسون، صادرة بتاريخ 26/2/2008 نشرتها "الأخبار" بتاريخ 14/7/2011).

الوثائق المتقدمة تظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كانوا يعتقدون أن جهازاً أمنياً في سوريا سهّل عملية الاغتيال، وأن تباعداً وقع بين النظام السوري من جهة و"حزب الله" وإيران من جهة أخرى، جراء ذلك، ما دفعهم للانفتاح على النظام السوري (كان النظام السوري حينها يتعرض لضغوط بقصد تغيير سلوكه وليس تغيير النظام كما كان يرغب النائب وليد جنبلاط حينها).

وبقطع النظر عن ملابسات اغتيال مغنية، غير الواضحة إلى اليوم، فإن النظام السوري لم تكن له مصلحة بتنفيذ وعد الوزير وليد المعلم؛ كشف الملابسات "بالدليل القاطع قريباً جداً"، فظل الموضوع طي الكتمان، أما اليوم، وفي ظل احتياج النظام لأية وسيلة لدعم شرعية بقائه، وبعدما أعلنت أميركا والاتحاد الأوروبي أن الأسد فقد شرعيته وعليه الرحيل، فلم يعد ثمة ضير من إظهار قدر من المعلومات-بغض النظر عن صحتها- فأُخرج إياد أنعيم من معتقله "ليعترف"، ولا أحد يدري إذا كان سيظهر "معترفون" آخرون على الطريق أيضاً قبل السقوط المتوقع للنظام.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


6 + 9 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك google_ashefaa

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع