« بلدية صيدا والتيار السلبي »






تتأهب لتحقيق وعدها بإزالة جبل النفايات و"التيار السلبي" يشكك:



قراءة في أداء بلدية صيدا ومواقف القوى السياسية منها



فادي شامية



حققت اللائحة الانتخابية المدعومة من تحالف "المستقبل"-"الجماعة الإسلامية" في صيدا فوزاً كبيراً في الانتخابات البلدية التي جرت في العام الماضي. لم تنل اللائحة التي ترأسها المهندس محمد السعودي ثقة الصيداويين بناءً على أن القوى التي تدعمها قوية في الشارع الصيداوي فقط، وإنما بناءً على وعود انتخابية كبيرة على رأسها إزالة كارثة جبل النفايات الرابض على صدر المدينة، منذ أكثر من 30 سنة؛ عجزت خلالها البلديات المتعاقبة عن التخلص منه.



 



لقد كان جبل النفايات أحد أهم معايير النجاح لأي بلدية سابقة، ولكنه مع هذه البلدية بالذات يعتبر مؤشر النجاح شبه الوحيد؛ إذ لو نجحت البلدية في تحقيق برنامجها الانتخابي كله دون إزالة جبل النفايات في عهدها، أو على الأقل وضعه على سكة الإزالة الفعلية، فإنه لا يسعها ادعاء النجاح في تحقيق برنامجها التي انتُخبت على أساسه، لا سيما أنها بدأت عهدها مزودة بـ 40 مليون دولار؛ 20 منها هبة من المملكة العربية السعودية عن طريق الرئيس فؤاد السنيورة، من أجل التخلص من هذه الكارثة البيئية.



 



وفي الواقع؛ لم تضيع البلدية الحالية وقتاً في المعالجة، لكن الظروف والكيدية عاكستها؛ فخلال أقل من شهرين (في 21/6/2010 باشر المجلس الجديد عمله بعد عملية التسلم والتسليم) وضعت البلدية الدراسات اللازمة، ووقعت عقداً مع مجلس الإنماء والإعمار، وأجرت مناقصة لبناء حاجز بحري؛ رست على شركة داني خوري، وانتظرت الإذن بمباشرة العمل من مجلس الوزراء.



 



في 29/9/2010، انتقل الملف لمجلس الوزراء فأصيب بنكسة متعمدة!، إذ قام وزراء فريق الثامن من آذار مجتمعين، بعرقلة الإذن بمباشرة العمل، بدعوى أن المبلغ المرصود سابقاً هو 20 مليون دولار، في حين أن تكلفة المناقصة الواردة إلى مجلس الوزراء تبلغ 28 مليون دولار، علماً أن المبلغ المرصود فعلياً للمشروع هو 40 مليون دولار، إذا ما أضيفت إليه الهبة السعودية!.



 



ولسوء الحظ؛ تعطلت بعد ذلك جلسات مجلس الوزراء إلى أن سقطت حكومة الرئيس سعد الحريري بانسحاب 11 وزيراً منها، ودخلت البلاد في حالة فراغ بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي التي ولدت في 13/6/2011، ما يعني ضياع نحو تسعة أشهر من الانتظار (من أيلول 2010 ولغاية حزيران 2011).



 



وفي الحقيقة فإن بلدية صيدا لم ترض بالانتظار السلبي؛ فقد حصلت على اجتهاد قانوني يخولها مباشرة العمل بموجب مرسوم جمهوري موقع من رئيسي الجمهورية والحكومة، من دون انعقاد مجلس الوزراء، لكن هذا المرسوم كان مشروطاً بالحصول على دراسة إيجابية حول الأثر البيئي للمشروع (يقول متابعون إن إذن المباشرة بالعمل لو مر عبر مجلس الوزراء لكانت الشروط البيئية أخف، بدليل إن شركة خوري نفسها تنفذ حالياً مشروع حاجز بحري في منطقة الناقورة بشروط بيئية مختلفة).



 



بعد صدور المرسوم؛ كلف وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال محمد رحال دار الهندسة إعداد دراسة حول الأثر البيئي للمشروع؛ وقد وُضعت الدراسة على مكتب وزير البيئة قبل يوم واحد من صدور مراسيم تشكيل الحكومة التالية، ومع تشكيل الحكومة الجديدة طلب وزير البيئة الجديد ناظم الخوري تشكيل لجنة مختصين من وزارته لإبداء الرأي بدراسة دار الهندسة.



 



بعد نحو "مسار قانوني" ناهز السنة؛ اتصل وزير البيئة برئيس البلدية في 8/9/2011 ليبلغه الموقف الإيجابي من دراسة الأثر البيئي، وأنه سيحيل موافقته إلى مجلس الإنماء والإعمار لبدء العمل، علماً أن موافقة وزارة البيئة قد جاءت مضافة بتعديلات وشروط جديدة؛ من أهمها رفض شفط الرمول من البحر، واستعمال ردميات المكب أو الكسارات أو حرب تموز 2006 حصراً، فضلاً عن تزويد الوزارة بتقارير دورية عن سير العمل.  



 



عقب هذه المسيرة الطويلة من الإحباط؛ عقد السعودي مؤتمراً صحفياً في 14/9/2011 لإعلان الخاتمة السعيدة، المتعلقة بصدور الإذن بمباشرة العمل بالحاجز البحري، ومن المتوقع إقامة احتفال عند مباشرة العمل بحضور السفير السعودي في لبنان-على الأرجح- باعتبار أن بلاده قدمت 20 مليون دولار للمشروع، علماً أن إزالة المكب تتطلب مباشرة العمل بالشق الثاني من الحل؛ وهو تشغيل معمل الفرز، المنجز والذي يحول الخلاف مع أصحابه حول تكلفة معالجة طن النفايات الواحد دون تشغيله حتى الآن، وقد عُلم أن البلدية بصدد وضع سقف زمني لحل هذا الموضوع؛ وإلا فإن مكب النفايات سيعود للإقفال أمام النفايات الآتية من البلديات المجاورة لصيدا، بسبب عدم القدرة على الاستيعاب (وافقت البلديات التي تنقل نفاياتها إلى مكب صيدا على حسم 40% من مستحقاتها السنوية في حال توقيع اتفاق بين وزارة الداخلية وأصحاب المعمل، بما فيهم بلدية صيدا التي كانت معفية من دفع تكلفة المعالجة بموجب اتفاق سابق مع أصحاب المعمل).    



 



هذا الملف على أهميته؛ لا ينبغي أن يحجب النظر عن انجازات فعلية للبلدية خلال نحو سنة من عمرها، أهمها على الإطلاق تحرير شاطىء صيدا من مجاري الصرف الصحي كافة، التي كانت تصب المياه الآسنة فوقه باتجاه البحر خلال الـ 30 سنة الماضية. (إضافة المكتبة العامة، وتشكيل هيئة الطوارئ، واتفاقية إنشاء فندق "صيدون" الحديث على أرض مملوكة للبلدية، وتأمين 5 مليون دولار –عبر الرئيس السنيورة- لإقامة المتحف الأثري في حفرية الفرير...).



 



ويقابل هذه الانجازات في الخانة السلبية؛ التأخر في انجاز عدد من المشروعات الكبيرة، وإن كان السبب في غالب الأحوال يقع على عاتق جهات غير البلدية، وعلى سبيل المثال؛ ترميم القلعة البرية (المديرية العامة للآثار)، مباشرة العمل بمستشفى الحروق التركي (وزارة الصحة)، إقامة "السنسول" البحري وافتتاح سوق الخصر الجديد (وزارة الأشغال)، حديقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (إشكالية إدارية باعتبار الأرض مصنفة ضمن الأملاك البحرية)، الحديقة العامة في منطقة الوسطاني (الجهة المانحة آل الحريري)، إنشاء كلية الصحة في محيط المسجد العمري الكبير (مجلس الوزراء).



 



خلاصة القول؛ إن البلدية لها وعليها، وما هو عليها لم يكن ناتجاً بسببها في معظمه، فكيف تعاطت القوى السياسية في صيدا مع البلدية؟!



 



في الواقع؛ لقد كشفت هذه البلدية بالذات "التيار السلبي" في المدينة، إذ لم تقتصر السلبية على العمل السياسي القائم لدى هذا التيار على الانتقاد والتخوين فحسب، وإنما على العمل البلدي الإنمائي القائم لديه على أساس العرقلة والتثبيط أيضاً.



 



واللافت خروج رئيس بلدية السابق عبد الرحمن البزري من هذه السلبية الإنمائية التي يتسم بها حليفه السياسي اللدود النائب السابق أسامة سعد، حيث اتخذ البزري -منذ ما قبل تسليمه مقاليد السلطة البلدية لخلفه محمد السعودي- موقفاً متعاوناً مع البلدية، ثم عاد وكرره أكثر من مرة، وأكده عملياً أيضاً في طريقة تعاطيه مع المشروعات البلدية لصيدا.   



 



وإذا ما اعتبرنا أن دعم "تيار المستقبل" و"الجماعة الإسلامية" للبلدية أمر طبيعي بحكم تركيبتها، فإن غير الطبيعي أن تكون المعارضة للبلدية من قبل الطرف غير الممثل فيها؛ سلبية إلى حدود تعطيل مصالح الصيداويين، إذا كان بالإمكان ذلك، وإذا لم يكن ذلك ممكناً فمن خلال التشكيك المستمر بأي انجاز بلدي.



 



وبالعودة للوقائع؛ يظهر بوضوح أن الحملة على البلدية والتهجم الشخصي على رئيسها بدأ قبل أن تباشر البلدية عملها، لدرجة وصلت إلى حد تحريض الأهالي أو التكلم باسمهم، بعد أيام قليلة على مباشرة العمل البلدي وانطلاق مشروع تحرير الشاطىء من المياه الآسنة (على سبيل المثال؛ الشكاوى من وجود المياه الآسنة في الوقت الذي كانت تعمل البلدية فيه على تخليص المدينة منها!).



 



وفيما يتعلق بالمكب؛ لم يستح التيار السلبي عينه من فشله في حل هذه المشكلة أيام البلدية السابقة التي كان يهيمن عليها (رفَعَ يافطات تبشر بإزالة المكب بعد أشهر من فوزه في الانتخابات البلدية عام 2004 وأهدر مليون دولار كدراسات، وتضخم المكب بشكل غير مسبوق)، بل راح يصدر البيانات تارة باسم "اللقاء الوطني الديموقراطي" وتارة باسم "بلدية الظل"، منتقداً "غياب بلدية صيدا عن معالجة مشكلة النفايات والقضايا الإنمائية"!، وصولاً إلى بثه التشكيك راهناً بأهمية الحاجز البحري، كخطوة مهمة على طريق إزالة جبل النفايات، واستحداث منطقة مساحتها 550 ألف متر مربع مردومة في البحر، تضاف لمساحة صيدا، وهي صالحة للاستثمار في مجالات عدة.



 



ألا يعتبر لافتاً أن تياراً في صيدا؛ لم يقدّم خلال تاريخه الطويل –بعد استشهاد مؤسسه معروف سعد- مشروعاً إنمائياً واحداً للمدينة، وأنه ظل على الدوام معتصماً بالتشكيك والتشويش والانتقاد الدائم، حتى بات على ما عليه اليوم من التراجع؟!. لعْنُ الظلام والبحث على الثغرات لا يجدي؛ ولكن إضاءة الشموع والعمل رغم الصعوبات.



 



 



» تاريخ النشر: 2011-10-05
» تاريخ الحفظ: 2024-03-28
» شبكة الشفاء الاسلامية
.:: https://www.ashefaa.com ::.