عبوة صيدا: دليل جديد على فلتان الأمن باسم المقاومة!

عبوة صيدا: دليل جديد على فلتان الأمن باسم "المقاومة"!


فادي شامية


سلّم الله صيدا من حادث أمني خطير للغاية، وعمل مدان، بغض النظر عن المستهدف، وذلك بعد العثور على عبوة معدة للتفجير في مبنى في وسط المدينة، مساء الأربعاء 4/1/2012.


 


خلال الساعات التالية للعثور على العبوة؛ تفاوتت التخمينات عن المستهدف، باعتبار أن المنطقة تضم عدة أهداف محتملة، ومتنوعة الميول السياسية. وفيما بعد أُعلن عن توقيف الفاعلين (ما زال أحدهم متوارياً) ليتبين أن المستهدف من الجريمة هو أحد الأسماء المرتبطة بـ "حزب الله"، وعلى الأثر ظهرت تحليلات تقول إن الاحتقان المذهبي الذي تعاني منه صيدا له صلة بالموضوع!.


 


في النشرة المسائية لأخبار "الجديد" (5/1/2012) أطل المستهدف بالتفجير صهيب حبلي بصفته المسؤول عن "سرايا المقاومة في صيدا" ليقول: "عندي اجتماع كل أربعاء، والعبوة وضعت على بعد أشبار وليس أمتار من سيارتي... ربما يكون الهدف أنني أسعى لنبذ الفتن، ومواجهة التطرف، وربما يكون طرف ثالث يريد الفتنة، وهذا لا يبعد فرضية العدو الإسرائيلي...حجم العبوة يبيّن أنّه ليس عملاً شخصياً ولاعمل هواة". ودلالة الكلام واضحة؛ المقاومة مستهدفة، والمتطرفون أو الصهاينة هم الفاعل.


 


ساعات إضافية وينكشف الأمر كله. المعلومات الأمنية المؤكدة –التي حصلت عليها المستقبل- تشير إلى الآتي:


أولاً: المستهدف من العبوة هو صهيب حبلي، وليس أي شخص سواه، علماً أن حبلي لا يملك مكتباً في المبنى المستهدف، ولكن يركن سيارته في موقف بناية حجازي، القريب من المبنى حيث يتواجد مكتبه. وكانت ظهرت تخمينات أن المستهدف هو الشيخ ماهر حمود (يقيم في مبنى مجاور) أو إحدى الجمعيات الإنسانية الناشطة في مجال مساعدة النازحين السوريين (جمعية التعاون الإنساني).


 


ثانياً: على خلاف تقييم بعض وسائل الإعلام لنوعية العبوة، فإنها لم تكن متقنة (قيل على إحدى وسائل الإعلام إنه "لم يسبق لها مثيل")، فقد اكتشف الخبراء الذين فككوا العبوة وجود خطأ في التركيب يمنع تفجيرها، حتى لو لم يكتشفها الناطور المصري الجنسية عن طريق الصدفة، ويسحب الهاتف الخلوي منها، (مجرد سحب الهاتف دون أن تنفجر يعني أنها غير متقنة)، وهو ما شكّل لدى المحققين قرينة أولية، على انتفاء النظرية الإسرائيلية. (بلغ من خفة المتورطين أنهم اتصلوا على الهاتف نفسه في محاولة لثني الناطور عن إبلاغ القوى الأمنية، ولم يرد على الهاتف، ثم قام لاحقاً بفصل البطارية، وسلّم الجهاز، وفيه الأرقام التي اتصلت).


 


ثالثاً: شكّل الهاتف الموضوع في كرتونة مغطاة بالتفاح، والذي اكتشف وجوده ناطور المبنى عند الساعة 10.14 دقيقة مساءً، مفتاح الحل بالنسبة لـ "شعبة" المعلومات، التي وصلت مبكراً، وفيما بعد استطاعت حل اللغز واكتشاف الفاعلين، بالتعاون مع مديرية المخابرات في الجيش اللبناني (شاع أن محققين من "حزب الله" حضروا مبكراً من خارج صيدا، وهذا غير صحيح، والصحيح أن عناصر الحزب يتواجدون في العادة عند الشخص المستهدف، ويحتمل أنهم حضروا إلى المكان بعد شيوع الخبر).


 


رابعاً: لدى التحقيق تبين أن المسؤول الأول عن وضع العبوة هو خليل عبد الرزاق، وهو شخص على صلة "وثيقة" بالـ "المسؤول عن سرايا المقاومة" في صيدا –كما عرّف صهيب حبلي عن نفسه بالإعلام-(قال حبلي لـ "الجديد" إنه كان يتواجد عنده وعند الشيخ حمود نافياً أن تكون العلاقة تنظيمية)، عبد الرزاق كان سائقاً لديه، وهذا الشخص نفسه -عبد الرزاق- أوقف بعد تعرفه على حبلي بتهمة قال للمحققين إنها من تدبير حبلي، وفي أواخر أيام وجوده في السجن قرر قتل حبلي، لأسباب قال للمحققين: "إنها شخصية، لها علاقة بزوجته....". وقد تبين خلال التحقيقات أن عبد الرزاق ليس الوحيد ممن له صلة بحبلي، وإنما أيضاً الشخص الموكل بالمراقبة ليلة الحادثة، كان يتردد على مكتبه، ويخرج معه في سيارته أحياناً!.   



 


هذا فيما يتعلق بالمعلومات الأمنية الموثقة بمحاضر؛ أما في التحليل السياسي، فإن هذه العبوة تشكّل دليلاً إضافياً على انفلات الأمن باسم "المقاومة" و"سراياها" و"استهدافها":


 


أولاً: كشفت الوقائع –أعلاه- نوعية وأخلاقية المجموعات التي يزرعها "حزب الله" في غير مدينة وقرية في لبنان باسم "المقاومة"، وهي مجموعات لا تفيد العمل المقاوم بشيء، وهي إن نفعته بشيء فإن مفاسدها أكبر بكثير، على الأمن، وعلى الحزب نفسه.


 


ثانياً: ظهّرت هذه الحادثة من جديد حجم العبث الذي يقوم به "حزب الله" في الشارع السني، تحت لافتات إسلامية، تقوم بدورها باستقطاب -أيٍ كان- بالمال ووهج السلاح، في صيدا (توجد في صيدا مجموعات أخرى ترتبط بالحزب بأسماء مختلفة)، وفي بيروت، وفي طرابلس وغيرها من المناطق ذات الغالبية السنية ... وكله تحت اسم المقاومة، ما يؤجج الفتن والاحتقان المذهبي، الذي يحذر منه الحزب نفسه.


 


ثالثاً: دللت هذه الحادثة على موضوع شديد الخطورة، وهو اختراق "حزب الله" -بشكل مباشر أو غير مباشر غير مباشر- للمجموعات المتطرفة (المجموعات نفسها التي يخوّف منها وزير الدفاع و"حزب الله" وحلفاؤه اللبنانيين)، إذ أكدت التحقيقات أن واضع العبوة المرتبط بقائد "سرايا المقاومة" أحضرها من أحد أخطر العناصر المتطرفة المطلوبة بجرائم "إرهاب"(المدعو خردق)، والمتوراية في مخيم عين الحلوة!.  


 



لو قُدّر لهذه العبوة أن تنفجر؛ فإن الأضرار البشرية والمادية لم تكن لتقتصر على شخص، فيما الأضرار السياسية، سواء اهتزاز الأمن أو الفتنة، كانت ستصيب لبنان كله، لكن الله لطف... فنجت صيدا ولبنان، وسجلت "شعبة" المعلومات انجازاً باهراً جديداً بتوقيف واعتراف الفاعلين بعد ساعات قليلة!.


 

: 2012-01-08
طباعة