عن اللبنانيين الذين يستأخرون سقوط الأسد خوفاً من البديل!

عن اللبنانيين الذين يستأخرون سقوط الأسد خوفاً من البديل!


فادي شامية - 26-1-2012


ليس في لبنان من لم يذق طعم ظلم آل الأسد؛ بما في ذلك الذين يدافعون عنه اليوم. الجميع يعرف "الدكتاتوران" (الأب والابن)، والكل يعي معنى الاعتقال في السجون الأسدية، وماذا تعني مخالفة إرادة الحاكم. واللبنانيون جميعهم عانوا من هذا الظلم، أثناء الوجود العسكري السوري في لبنان.


 


يؤخرون سقوطه خوفاً من بديله!


مع أن ما تقدم حقيقة، لا يمكن لأحد نكرانها، فإن ثمة في لبنان من ربط مصيره بمصير هذا النظام، لارتباط وجوده وتطوره أصلاً به، وهؤلاء لا غرابة في مواقفهم، لأنهم يواجهون مصير النظام نفسه، لكن ما يستحق النقاش؛ هو مواقف قوى لبنانية وازنة، بعضها لا يحب نظام الأسد بالمرة، ومع ذلك تُطلق هذه القوى مواقف يُفهم منها دعم النظام، بحجة الخوف من البديل!.


 


ويأتي على رأس هذه الجهات؛ البطريركية المارونية، التي يُفهم من جملة مواقف سيدها البطريرك الراعي أنها ليست مع النظام وتدين ممارساته، لكنها لا تحبذ سقوطه لأنها تخشى من البديل، انطلاقاً من أن البدائل في بلدان "الربيع العربي" أتت بالإسلاميين!.


 


العماد ميشال عون يرتكز على الأرضية نفسها، لكنه يجيّر هذه "المخاوف" إلى رصيد الأسد المنهار عن طريق السياسة، فيطلق تصاريح رفع المعنويات (قوله في 30/10/2011 على سبيل المثال: "بشار الأسد انتصر")، ضارباً تواريخ لنهاية الأزمة!، والأهم أنه يبث دعاية النظام السوري نفسه بشأن مستقبل الأقليات، متخصصاً في الجانب المسيحي تحديداً. (قوله على سبيل المثال للفضائية السورية في 19/5/2011: "المحتجون أصحاب فكر أحادي، وبشار الأسد مقاوم وإصلاحي ومحبوب من شعبه"، وقوله في 3/11/2011: "النموذج الذي يستلم الحكم في بلدان الثورات هو من هجّر المسيحيين"!).  


 


ورغم أن مواقف الرئيس أمين الجميل ونجله سامي "متقدمة" لجهة القطع مع الأسد منذ زمن بعيد، فإن حزب "الكتائب اللبنانية" لا يخفي مخاوفه من مرحلة ما بعد الأسد أيضاً، فالرئيس الجميل لم يُخف خشية الكتائب من "تصاعد الموجة الأصولية" (17/1/2012)، كما أن نائبه في رئاسة الحزب سجعان قزي كتب عن "الإرباك" جراء "انتصار الأصوليين الإسلاميين على التيارات الإسلامية المدنية في كل مكان".


 


وتساوقاً مع هذه الموجة؛ بات إعلام "حزب الله" يتحدث – أو يستضيف من يتحدث- عن مصير الأقليات في حال سقوط الأسد وصعود الإسلاميين، لكأن "حزب الله" تنظيم علماني يضم مسلمين ومسيحيين، بل يضم مسلمين من المذاهب كافة!. (كان الحزب أول من روّج لتحول بلدة تل كلخ الحدودية إلى "إمارة إسلامية" في 13/5/2011 ما أسهم في تهجير سكانها!).


 


اللافت في هذا المجال؛ أن حزباً مسيحياً لبنانياً؛ لطالما اتهمه معارضوه بالتعصب والانغلاق، أو صنفوه حزباً "أصولياً" مسيحياً، هو اليوم الأكثر انفتاحاً على "الربيع العربي"، والأكثر تفهماً للبدائل التي ينتجها، باعتبارها خياراً ديمقراطياً!. يقول سمير جعجع، قائد هذا الحزب (القوات اللبنانية) في حديثه الأخير لـ "روز اليوسف": "غير صحيح أن كل إسلامي ضد الحرية والديمقراطية. الأحزاب الإسلامية تتعامل بامتياز في مصر وتونس، وعندما نرى تصاعد التيار الإسلامي، فهذا بالنسبة لي لا يعني أمر سلبياً، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون شيئاً إيجابياً، كل ما يعنيه (ذلك) أن الديمقراطية أفرزت حتى الآن هذه التيارات، وعلينا أن ننتظر كيف تتصرف ونتخذ الموقف المناسب... فهل المشكلة فقط أن اسمهم حزب الدعوة الإسلامية أو الإخوان المسلمين؛ فليتخذوا الاسم الذي يرغبون فيه، ما دام مضمون عملهم السياسي لا يتعارض مع كل ما نؤمن به في المجتمع السياسي"!. وحول نظام الأسد يضيف جعجع: "يقولون إذ سقط النظام السوري سيأتي الأصوليين وسيضطهدون المسيحيين. كل هذه المعطيات غير صحيحة وغير دقيقة".  


 


نظريات وحجج في خدمة الأسد!


وفيما يستمر هذا النقاش حول البديل؛ في لبنان وخارج لبنان، فإن ثمة من راح أبعد من ذلك طارحاً في غير مناسبة - تصريحاً أو تعريضاً- ضرورة تحالف الأقليات (كان لافتاً أن تجعل "المنار" من هذه الفكرة أساساً للحوار بين البطريركية المارونية و"حزب الله"، باستضافتها المطران سمير مظلوم الذي كشف ما دار في اللقاء بينه وبين السيد نصر الله)، رغم أن هذه الفكرة بالذات – إن سادت لا سمح الله- فإنها الأخطر على مستقبل الأقليات جميعها.


 


الفريق نفسه؛ يطرح أسئلة إنكارية تدعو للتبصر فيما حل بمسيحيي العراق، وأحياناً يتساءل بعضهم عن وضع مسيحيي مصر، بما يوحي بكوارث، مع أن الحقائق الثابتة لا تسمح باتخاذ مصر، ولا حتى العراق، مثالاً يُضرب على "نكبة" المسيحيين –لا سمح الله-، ذلك أنه يمكن القول إن وضع الأقباط في مصر ليس على ما يرام، ولكن لا يمكن القول إن وضعهم بعد الثورة تراجع، بمعنى آخر؛ إنه من مجافاة الحقيقة القول: إن الثورة جعلت واقع المسيحيين أسوأ، حتى مع فوز الإسلاميين، إذ بعد أن كانت الحكومة قبل الثورة تتاجر بوضع الأقباط وبحقوقهم الدينية، إلى حد التآمر على أمن كنائسهم، بات حقهم اليوم في إقامة دور العبادة على قدم المساواة مع المسلمين مقرراً، وقد سمحت أجواء الحرية الجديدة للبابا شنودة الثالث أن يُجري تعداداً خاصاً لأقباط مصر، من خلال "لجان الافتقاد"، الأمر الذي كان مستحيلاً أيام حكم مبارك، بل أكثر من ذلك، ففي ظل المخاوف من تكرار تفجير الكنائس على غرار ما جرى عشية رأس السنة (2011)، وفي ظل تراجع الأمن في مصر؛ شكّل "الأخوان المسلمون" لجاناً ليحموا الكنائس في أعياد أخوانهم الأقباط، بعد الثورة، وصدرت "وثيقة الأزهر" بحضور وموافقة قادة الأحزاب الإسلامية، وهي الوثيقة التي تنادي بمصر "دولة مدنية"، وعلى "الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية مُعوِّقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف أشكالها".


 


أما فيما يتعلق بالتمثيل النيابي؛ فقد شغل الأقباط في مصر ستة مقاعد في برلمان العام 1995 بالانتخاب، وشغلوا ستة مقاعد في برلمان العام 2000، ثلاثة منهم بالتعيين على هوى السلطة، في حين نال الأقباط بعد الثورة 11 مقعداً سبعة منهم بالانتخاب، ومن بين هؤلاء القبطي الناصري أمين اسكندر الذي فاز على لوائح "الأخوان" أنفسهم. قد يقول قائل إن ذلك كله غير كافٍ، وهذا صحيح، لكن الأصح أن الأوضاع تحسنت نسبياً ولم تتراجع كما يحلو للبعض أن يُروّج، لأهداف سياسية في الغالب.  


 


أما مقارنة أوضاع سوريا بالعراق فهو قياس مع الفوارق، لأن العراق لم يشهد ثورة شعبية وإنما حرباً واحتلالاً، أتبعه صراع نفوذ بين المحتل الأميركي وبين الجار الإيراني وقوى أخرى، وقد أنتج ذلك حرباً مذهبية، قُتل فيها -وبشكل دموي- من السنة والشيعة أضعاف من قُتل من المسيحيين. بمعنى آخر فإن مآسي السنة والشيعة في العراق لا تقل فظاعة عن مآسي المسيحيين، الذين أصاب بعضهم القتل كما أصاب باقي العراقيين.


 


... ومفارقات!


على أن ترويج أية مبررات لإطالة عمر نظام بشار الأسد، يحمل في ذاته مفارقات لافتة، ذلك أن إبداء التخوف من سقوط نظام الأسد بحجة أن البديل إسلامي بالضرورة، يُنعش –أي هذا التخوف- الإسلاميين على عكس ما يريد المتخوفون، لأن الثورة كلما طالت، "تأدلج" الناس فيها أكثر، وهذا أمر معروف في قراءة تاريخ الثورات قاطبة، وطبيعي أن تكون "الأدلجة" في سوريا باتجاه الإسلاميين، وليس أية "إيديولوجيا" أخرى، بمعنى آخر؛ فإن الذين يؤخرون سقوط الأسد خوفاً من البديل؛ إنما يستحضرون بمواقفهم هذا البديل نفسه، تماماً كما خوفت القوات الأمريكية العالم من "القاعدة" في العراق وجعلتها سبباً للغزو، فإذا بها -من حيث لم تنتبه- تؤمن باحتلالها العراق البيئة الخصبة لنمو "القاعدة"!.


 


المفارقة الثانية؛ أنه في الوقت الذي يتجه فيه الغرب، لعدم تكرار أخطائه في الموقف من الإسلاميين، بحيث يتعاطى معهم باعتبارهم خياراً "ديمقراطياً" للشعوب، نرى بعض اللبنانيين، يرفض ما أنتجته "الديمقراطية"، أو على الأقل يبدي مخاوفه –المشروعة حيناً وغير المشروعة أحياناً- من صعود التيارات الإسلامية، بل إن البعض يصل به الأمر إلى حد استعداء هؤلاء الإسلاميين قبل أن يمارسوا الحكم!.


 


أما المفارقة الثالثة؛ فتتجلى في ازدهار الطروحات "الفئوية"، التي تتحدث عن مصالح طوائف بعينها (مصلحة المسيحيين، مصلحة الشيعة، مصلحة الدروز...)، في الوقت الذي يجتهد فيه الإسلاميون في تأصيل طروحات المواطنة، وهي طروحات متقدمة جداً بالمقارنة مع أدبيات الإسلاميين قبل أعوام، وكأن ثمة من يريد العودة إلى ثنائية القمع والارتهان للغرب (باعتبار أن يدعم الغرب النظام غير الديمقراطي مقابل أن يقوم الحاكم بقمع الإسلاميين).    


 


على أي حال؛ فإن من أهم ما يجب أن يتبصر به من يدعو لإطالة عمر النظام السوري خوفاً من البديل (والمقصود هنا أصحاب النوايا السيئة، لا الذين يبحثون في مخاوف مشروعة عن فترة ما بعد الأسد)، هو الموقع غير الأخلاقي الذي يظهرون فيه، لأنهم يقولون للمذبوح: دماؤك لا تعنينا، وما يعنينا فقط هو "البديل" عن النظام!، مع الإشارة إلى أن هذه الطروحات قد تنقلب وبالاً على معتنقيها، حال انتصار الثورة، أقله على صعيد تمزيق عرى الاجتماع الوطني بين من ثار وضحى وبين من شغله البديل عن شلال الدم النازف...وهو أمر نسأل الله أن لا يحدث في سوريا، وأن تكون الروح الوطنية السورية أعلى من نظيرتها اللبنانية!.


 

: 2012-01-26
طباعة