علماء حفظوا دينهم... وآخرون سقطوا في الامتحان!

ثورة الكرامة السورية:


علماء حفظوا دينهم... وآخرون سقطوا في الامتحان!


فادي شامية – شبكة الشفاء الاسلامية


لطالما كانت المحنة هي الاختبار الحقيقي لدين المشايخ والعلماء، ذلك أن وعظ الناس وترغيبهم بالآخرة وتزهيدهم بالدنيا، أمر سهل ما بقي في إطار الأقوال لا الأفعال. في المحنة فقط يتأكد صدق الخطيب من كذبه. والغالب أن هذا الأمر لا علاقة له بمقدار العلم، فتاريخنا شاهد على علماء استعملوا علمهم الشرعي للتمكين لحاكم ظالم أو لسلطان مستبد، فنالوا لقب علماء السلطان، و"إن أبغض الخلق إلى الله علماء السلطان".


 


في سوريا اليوم علماء حفظوا دينهم؛ بفعل إيجابي هو التصدي للحاكم الجائر، أو سلبي تمثل برفضهم إبراء ذمته فيما يفعل. وكما شهدت الثورة السورية على صدق كثير من المشايخ والعلماء، فقد أحرقت الثورة نفسها أسماء كانت للأمس القريب محترمة!.


 


هؤلاء صدقوا عهدهم مع الله


خلال الثورة؛ برزت أسماء كثيرة؛ صدقت عهدها مع الله. من أوائل هؤلاء الشيخ أحمد الصياصنة (70 عاماً وهو ضرير)، إمام المسجد العمري في درعا؛ الذي شد أزر الناس بوجه المحافظ الذي اعتدى على أطفال درعا وقتل رجالها. الصياصنة كان أول من ظهر على الإعلام الغربي ليصف الإعلام السوري بالكاذب، ولما لم يعثر عليه رجال المخابرات قتلوا ولده أسامة انتقاماً، واعتقلوا له ولدين آخرين وعذبوهما، ثم قايضوه تسليم نفسه بحياتهما... حتى فعل!، وفي 26/5/2011 أظهروه على الإعلام- كما هي عادتهم- ليعترف بأنه "أدرك متأخراً أن هناك مؤامرة، وأن ما أدلى به من تصريحات لقنوات خارجية جاء قبل علمه بوجود السلاح والمسلحين، وعندما تحرى الأمر تغير الموقف"... الصياصنة فر لاحقاً إلى الأردن، وهو يلتزم الصمت خوفاً على أهله في سوريا، لكنه تحوّل رمزاً للثورة فهو أول من كذّب إعلام النظام، مستبقاً اعترافاته على الإعلام نفسه!.


 


ومن أعلام هؤلاء؛ الداعية محمد راتب النابلسي الذي صدح بالحق، رغم اعتقاله لدى "الأمن السياسي- فرع الأديان"، وتهديده بأذى أولاده. هاجم النابلسي "الجيش الذي يصوب أسلحته الفتاكة على المواطنين المحتجين ويقتلهم"، كما هاجم من يحرك هذا الجيش ضد شعبه، والأهم هي الرسالة التي وجهها إلى الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، في شهر آب الماضي، وفصّل فيها طروحات البوطي في دعم الأسد وتحريم الخروج عليه!، وصولاً إلى قوله: "الزم بيتك، واملك عليك لسانك، لأنني أخشى عليك أن تحاسب عن كل نقطة دم من طفل بريء قُتل ظلماً، أو عن شاب في عمر الزهور قُتل بوحشية أو عذِّب في أقبية الظلمة".


 


ومن هؤلاء أيضاً؛ شيخ القراء كريم راجح الذي أعلن من على منبره المفاصلة مع النظام، والشيخ أسامة الرفاعي الذي اعتدى شبيحة الأسد عليه داخل مسجده بدمشق في ليلة القدر، وكذا؛ الشيخ سارية الرفاعي، والشيخ هشام البرهاني، والشيخ عدنان السقا، والأستاذ جودت سعيد،  والشيخ عبد الرحمن كوكي، والشيخ أحمد معاذ الخطيب وغيرهم كثير... علماً أنه جرى اعتقال أكثر من 200 عالم وشيخ منذ بدء الثورة في سوريا؛ منهم من قُتل، ومنهم من ما زال سجيناً، ومنهم من أُطلق سراحه.


 


وهؤلاء رسبوا في الامتحان


بالمقابل؛ برز اسم الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، على رأس الراسبين بـ "شناعة"، لدرجة نسي فيها السوريون علمه الوافر، أو أرادوا أن ينسوا فأحرقوا مؤلفاته (دير الزور 25/7/2011)، في موقف رفض رمزي.


 


هذا الرجل لم يتخاذل وحسب وإنما بات نموذجاً لمن ضيّع علمه واحترامه؛ فقد حرّم التظاهر ضد بشار!، بل شكك في دين المتظاهرين، ولما سُئل عما يفعله المسلم إذا أُجبر على قول الكفر قال: "إن ذلك يحدث بسبب خروج هذا الشخص مع المسيرات إلى الشارع والهتاف بإسقاط النظام وسبّ رئيسه والدعوة إلى رحيله"!. وفي موقف أشد غرابة قال البوطي في محاضرة بالمركز الثقافي في طرطوس (2/8/2011): "الأحداث التي شهدتها البلاد ليست حركة إصلاحية إنما هي فئة تريد القضاء على سورية... هؤلاء (المتظاهرون) لا يطالبون بإسقاط النظام إنما بإسقاط الإسلام"!. (النظام في سوريا بعثي لا يعتنق الإسلام في كل أدبياته). 


 


وقبيل شهر رمضان الفائت؛ اصطحب وزير الأوقاف السورية (13/7/2011) الشيخ البوطي وعدداً من مشايخ السلطان الآخرين إلى لقاء جمع فيه كبار المشايخ في سوريا لتمرير فتوى عدم إقامة صلاة للتروايح في رمضان بدعوى الحر!. ربما كان هذا أسوأ موقف يقف فيه الشيخ البوطي في حياته، حيث كشف المفتي أحمد حسون في اللقاء عن الهدف من الفتوى وهو عدم خروج تظاهرات، فتصدى له الشيخ كريم راجح بقول: "سنصلي التروايح ولو في الشارع"!.


 


في 26/1/2012 كتب مدير صفحة الشيخ البوطي، على موقع صدر صفحة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" العبارة الآتية: "قد أحبك يا شيخي، ولكني أحب العدل أكثر"، معلناً انضمامه إلى الثوار، وناشراً صور المجازر التي يرتكبها النظام بحقهم، ومعقباً بالقول: "نعتذر عن المنشور السابق ونستغفر الله إن أخطأنا، ومن الآن فصاعداً كل ما ينشر هنا يعبر عن رأي واستفسارات من أحد مدراء الصفحة الحاليين، ولا يعبر عن رأي وفكر الدكتور، إلا ما ننقله بصوت أو بخط الدكتور، لذا يرجى أخذ العلم وشكراً".


 


... و"شبيح" برتبة مفتٍ!


إلى جانب الراسبين، برز وجه آخر لراسبٍ سابق. إنه مفتي سوريا الحالي، الذي لم يكن يحظى باحترام أصلاً، لكن الثورة كشفت عن عمله المخابراتي بشكل مذهل. تملقه الناس وأصحاب الشأن كان معروفاً، لدرجة أنه خطب في العام 2010 أمام وفد أميركي يضم يهوداً، -في فترة تحسن علاقة النظام السوري بالولايات المتحدة- قائلاً: "الإسلام بريء من الإرهاب... أنا لو طلب مني نبينا محمد أن أكفر بالمسيحية أو باليهودية لكفرت بمحمد!. ولو أن محمداً أمرني بقتل الناس لقلت له أنت لست نبياً" (رد العلامة يوسف القرضاوي يومها بالقول: "كلام مفتي سوريا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقوله عالم، بل لا يقوله مسلم عادي...التسامح لا يأتي بالنفاق"!).


 


أما تدرجه وصولاً إلى الإفتاء، فكان من خلال العمل لدى أجهزة المخابرات، مخبراً على العلامة عبد الفتاح أبو غدة المراقب العام السابق لـ "الأخوان المسلمين"، وكاتباً للتقارير عن المشايخ الآخرين، حتى نال ثقة المؤسسة الأمنية، وصار عضواً في مجلس الشعب السوري لدورتين على التوالي، ثم مفتياً لمدينة حلب، فمفتياً لسوريا.


 


ذلك كله معروف عن أحمد بدر الدين حسون، لكن مواقفه خلال الثورة، وما كشفه عنه مدير مكتبه المنشق كان أفظع؛ فوفق أقوال الشيخ عبد الجليل السعيد فإن حسون "متورط بتسليم شخصيات دينية للنظام"، و"قيادة دفة الاعتقالات في المؤسسة الدينية"، و"استدعاء ثلاثة مشايخ من إدلب، وتسليمهم للأمن السوري"، بل الاشتراك في التحقيق مع مشايخ عُذبوا بتقطيع أطرافهم، وما زال مصيرهم مجهولاً حتى الآن"!. (اسمع ماذا قال عن حسون:


http://www.youtube.com/watch?v=coNnnd_4ARI)


 


ولعل من أعطى لاتهامات السعيد قيمة إضافية هو حسون نفسه، الذي نفى علاقته بمدير مكتبه المنشق، قائلاً: "إنه طالب مطرود من كلية الشريعة لانحرافه"، في حين ظهر كذب ذلك من خلال الصور التي أظهرها السعيد لاحقاً، وفيها مشاركته في طاولة الحوار التي أدارها النظام في وقت سابق من هذا العام. كما أن سلوكيات حسون تجعل الاتهامات التي سيقت ضده معقولة جداً، لا سيما أنه أصدر في العام الماضي (18/4/2011) بياناً باسم "كبار علماء سوريا" انتقص فيه من علم ودوافع العلامة القرضاوي، الذي سبق أن طالب الرئيس بشار الأسد بالرحيل، معتبراً –في لغة يستعملها السياسيون لا علماء الشريعة- أن "مواقف القرضاوي تدخل في الشأن السوري"!.  


 


في 26/1/2012؛ وبفضل الثورة السورية تمكن ألف عالم وشيخ سوري من توقيع عريضة، تطالب بإسقاط الصفة الدينية عن حسون، وبحسب مدير مكتبه المنشق، فسوف يتوجه وفد إلى القاهرة للقاء شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، لطلب سحب شهادته الدينية الممنوحة من الأزهر، ومنعه من المشاركة في أي نشاط إسلامي ينظمه الأزهر على مستوى الدول".  


 


وفي 30/1/2012 أعلن عدد من علماء ومشايخ سوريا في محافظة إدلب تشكيل "هيئة علماء سوريا الأحرار"، وفي بيان التأسيس كلام واضح بحق المفتي: "إننا نقول لعملاء السلطة المتخاذلين مثل الحسون (مفتي سوريا) وغيره، والله لن ينفعكم النظام وأزلامه وشبيحته يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم"!.


 


هكذا إذاً؛ كشفت الثورة السورية ما تحت العمائم، فأسقطت الراسبين وأعلت ذكر الناجحين المضحين...وما بعد الثورة حساب، لكن الحساب الأكبر يوم الحساب، ففي المحكمة الإلهية؛ ويل للذين يأمرون الناس بالبر ثم يمالئون الذين ظلموا. 

: 2012-02-11
طباعة