الاخوان في اجتماع إسطنبول: نمشي في الطريق الصحيح ... وجهاد كبير ينتظرنا

الاخوان في اجتماع إسطنبول: نمشي في الطريق الصحيح ... وجهاد كبير ينتظرنا


فادي شامية - شبكة الشفاء الاسلامية
السبت 18 شباط 2012 الموافق ٢٦ ربيع الأول ١٤٣٣

في ضاحية على أطراف اسطنبول انعقد الأسبوع الماضي "مجلس العلاقات الخارجية لجماعة الأخوان المسلمين في سوريا". تنوُع الجنسيات واللغات جعل من الاجتماع التنظيمي بمثابة مؤتمر دولي، حضر فيه "أخوان" فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، إسبانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، ودول اسكندنافيا، والدول العربية... من السوريين الحائزين على جنسيات هذه البلدان. كل وفدٍ يستعرض تقرير نشاطه في فعاليات دعم الثورة، وفي اللقاءات الدبلوماسية، والبناء التنظيمي للجماعة.

هذه القيادات هاجرت منذ أيام الرئيس حافظ الأسد في الثمانينات من القرن الماضي. اشتغلوا على أنفسهم وتكاتفوا حتى تحوّل أكثرهم إلى نخب فكرية على مستوى بلادهم التي يحملون جنسيتها، كما صار بعضهم من أعلام العمل الإسلامي والفكري على مستوى العالم.

الالتقاء بهؤلاء على هامش اجتماعاتهم ؛ شكّل مادة غنية للتعرف على حجم وتفكير الجماعة. لا شيء في تقارير ولا حتى في تفكير هؤلاء اسمه بشار، وحيثما يرد اسمه ترد عبارة ما بعد (مثلاً الوضع السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي ما بعد بشار). يدركون أن المخاض طويل، لكن يقينهم بتغيير حتمي نقلهم بالزمن أشهراً وربما أكثر إلى الأمام، حيث بدؤوا يخططون لسوريا الجديدة، فيما مجالس أخرى تتابع الحراك الثوري في الداخل وتمده بأسباب الحياة.

ما يشغل بال الذين التقيناهم أمور من قبيل: كيف سيسهم الأخوان في بناء سوريا المستقبل؟ وماذا عن الطاقات المتخصصة التي نحتاجها؟ من سيؤهلها وكيف؟ يستعرضون الحاجات، والإمكانات، والفرص المتاحة. وجودهم ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي فتحت لهم آفاقاً واسعة لتأهيل نخبة من الدبلوماسيين، والاقتصاديين، والإعلاميين، والسياسيين، بمواصفات دولية.

للمرة الأولى باتت "القضية السورية"- كما يسمونها- في أولويات تنظيمات "الأخوان المسلمين" كلها في العالم. ليس لدى هؤلاء اليومَ همٌ سوى سوريا. ومن وجهة نظرهم أنهم يُسهمون في دفع "القضية الفلسطينية" قدماً إذا تخلصوا من "الطاغية". المعادلة عندهم بسيطة: "فلسطين ليست مجرد قضية وإنما عقيدة لدى كل مسلم-ومن باب أولى لدى كل إسلامي- لكن الطريق إليها لا يكون عبر الأنظمة والأحزاب المتاجِرة والمستبدة". ثمة بُعد آخر لقضيتهم؛ "الدفاع عن الأمة الإسلامية في وجه المشروع الصفوي". لدى هؤلاء الأمر واضح، فـ "نظام البعث الحاكم في سوريا هو مجرد واجهة لمشروع صفوي كبير. لقد قلنا هذا قبل سنوات ولم يستمع إلينا أحد، لكن الآن باتت الأمور واضحة للناس، فالتدخل سافر في الشأن السوري من خلال إيران، وحزب الله، والمليشيات الإيرانية في العراق... نحن نواجههم جميعاً وسنقطع أوصال هذا المشروع".

ومع أن "الأخوان المسلمين" تلقوا ضربات قاصمة على مدى سنوات طويلة أنهت تنظيمهم في الداخل، إلا أن هذا الوضع اختلف الآن. حضورهم بات واضحاً على الأرض، ويبدو أنه كلما طال أمد الثورة ازداد حضورهم رسوخاً في الداخل والخارج. وعلى أي حال لا يخفي "الأخوان" في سوريا اليوم أنهم موجودون. ثمة تفاصيل مذهلة عن حضور وإمكانات من أسماهم بشار الأسد في خطابه الأخير "أخوان الشياطين" (في دلالة على إدراكه أنهم باتوا يؤرقون نظامه)، لكن التفاصيل التي ذكرها محدثنا أُتبعت بعبارة: "ليس للنشر". أضاف: "ما يهمنا اليوم هو نجاح الثورة. نحن جزء منها، لا يهم مقدار حجمنا على الأرض، ولا حجمنا في المجلس الوطني، المهم هو أن تجتاز سوريا الحبيبة هذا المخاض بنجاح، والأهم هو مرحلة ما بعد سقوط النظام، لأن الحمل سيكون ثقيلاً ويجب أن يتعاون الجميع لإعادة بناء سوريا، على المستويات كلها".

المرحلة التالية لسقوط بشار، تشغل تفكير "الأخوان" اليوم. يدركون أن النظام "سيفعل أي شيء قبل أن يسقط، بما في ذلك إشعال حرب طائفية شاملة، ليقول بشار أنا أو العدم"، وعلى هذا ثمة من يعمل على وضع سيناريوهات وخطط لمواجهة هذا الخطر أيضاً.

المستمع إلى قيادات "الأخوان" في الخارج اليوم يكتشف بوضوح كم أثرت هجرتهم القسرية تجربتهم. لقد أخطأ بشار عندما رفض إعادتهم إلى سوريا، عندما كانوا يرجون ذلك! صحيح أنهم ما زالوا ينهلون من مصادرهم الفكرية، لكن قراءتهم للنصوص "تطورت". ما زالوا يبنون على فكر حسن البنا (مؤسس جماعة الأخوان المسلمين)، وطروحات مصطفى السباعي (مؤسس الجماعة في سوريا)، لكنهم يضيفون من التجارب الأخرى في المغرب والمشرق، ويتحدثون باحترام شديد عن أردوغان؛ "الرجل العظيم". تستهويهم التجربة التركية، فيعملون على استنساخ ما يناسب المجتمع السوري منها، ويتعاونون مع "أخوانهم" الأتراك للاستفادة من مراكز الدراسات والتدريب وشبكات الدعاية السياسية... ومن تطور المؤسسات الخيرية والاجتماعية.

ثمة نُخب فكرية من الجماعة تعمل في أوروبا اليوم على وضع "دراسات تأصيلية لخطاب عصري". باتت أدبياتهم تفرّق بين "إسلام الدولة" و"إسلام المجتمع". الشريعة الإسلامية –مصدر اعتزازهم- هي جزء من قانون الدولة وليس قانون كل الدولة-وفق هذه الأدبيات- فالأساس الذي ينطلقون منه هو المواطنة. الموقف من العلمانية ليس مطلقاً في الرفض أو القبول، إذ من واجب الدولة احترام عقائد الناس المختلفة وأن تتعامل معهم جميعاً على قدم المساواة، أما فرض العلمنة –الذي يعادل محاربة الدين- فذلك مرفوض. في دراسات المواطنة التي يعدونها؛ لا وجود لمشكلة اسمها الأقليات الدينية والعربية، لأن "الكل مواطنون، والدولة مدنية وحيادية تجاههم، وهي تكفل حرية العبادة لجميع أبناء الوطن، وشكلها تحدده الأغلبية فقط". لا وجود لمشكلة اسمها المرأة أيضاً، فـ "النساء شقائق الرجال" و"الخطاب التكليفي واحد لكلا الجنسين". "العنف مرفوض وآليات التغيير تكفلها الدولة نفسها"، وخروج الدولة عن واجب احترام الحرية وحق المعارضة "لا يبرر العنف المقابل إلا دفاعاً عن النفس" (كما هي حال الثورة اليوم). "الديمقراطية آلية ثابتة للوصول إلى الحرية".

في اسطنبول كانوا يتدارسون إطلاق حزمة كبيرة من المؤسسات. يبحثون في التمويل، وفي الرؤية والأهداف والسياسات، ويتوافقون على المجالس الإدارية. يسألون أنفسهم هل نحن جاهزون؟ الجواب الذي يُجمعون عليه: "نمشي في الطريق الصحيح، ولدينا جهاد كبير ينتظرنا".

: 2012-02-18
طباعة