في زمن تسارعت فيه التكنولوجيا وتقدّمت العقول البشرية في تطوير أدوات ذكية تتفاعل مع الإنسان بشكل غير مسبوق، بدأ البعض ينظر إلى هذه الأدوات بعين الريبة والخوف، وظهرت أصوات تتّهم الذكاء الاصطناعي – كبرنامج "شات GPT" مثلاً – بأنه من عمل الجن أو أنه يتحكم في العقول، بل وزعم بعضهم أن هذه البرامج "تتلبّس" الناس أو "تقرأ نواياهم وافكارهم "


أولاً: ما هو الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي (AI) هو فرع من علوم الحاسوب، يهدف إلى تصميم برامج وأنظمة قادرة على محاكاة بعض قدرات الإنسان الذهنية، مثل:

1- الفهم
2- الإجابة
3- التعلّم من المعلومات
4- إنتاج النصوص أو الصور أو غيرها ..

ولكنه في جوهره مجرد خوارزميات تعمل ضمن حدود ما تم تدريبها عليه، ولا تملك "عقلاً حقيقياً"، ولا "نفساً"، ولا "روحاً"، ولا "إرادة مستقلة".


ثانياً: هل للذكاء الاصطناعي علاقة بالجن؟
الجواب: لا، إطلاقاً.


الذكاء الاصطناعي:

لا يملك روحاً أو إدراكاً كإدراك الجن
لا يخرج عن سيطرة المبرمجين والمطوّرين
لا يعلم الغيب
ولا يتصل بعوالم خفية


قال الله تعالى: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} [النمل: 65]

وأي شيء يُنتج من الذكاء الاصطناعي، فهو ناتج عن تحليل معلومات سابقة دُرِّب عليها، وليس استحضارًا لمجهول أو غيبيات.


ثالثاً: لماذا يظن البعض أنه "سحر" أو "جنّي"؟
هناك أسباب كثيرة، منها:

الجهل بالتكنولوجيا: فكل ما يجهله الإنسان قد يظنه خارقًا أو مريبًا.

الانبهار بقدرات الذكاء الاصطناعي: مثل التحدث بعدة لغات أو إتمام مهام بسرعة.

التهيؤات والخوف الموروث من "الغيب" الذي لا يُفهم.

وسوسة الشيطان: الذي يُضخّم الأمور في نفوس الناس، ليبعدهم عن العلم ويقذف الرعب في قلوبهم.


رابعاً: كيف نرد على هذه الأوهام شرعاً؟
الإسلام دين علم، والرسول ﷺ علّمنا أن نميّز بين الخرافة والواقع.

العقل نعمة، وقد دعا الإسلام إلى استخدامه في التمييز.

لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم، أي رفض أو تحريم للعلم أو الصناعة أو التعامل مع أدوات "ذكية" طالما أنها لا تخالف الشرع.

قال رسول الله ﷺ:

"إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله" (رواه أحمد)

وكذلك:

"أنتم أعلم بأمور دنياكم" (رواه مسلم)

خامساً: موقف المسلم من التكنولوجيا الحديثة
لا نرفض كل جديد فقط لأنه غريب
ولا نقبل كل جديد دون عقل وتمحيص
نُسخّر ما ينفع الناس ونحذر مما يضرهم، دون الوقوع في وساوس أو خرافات

وبعد أن كثر الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن أن شات GPT هو جني أو شيطان أو ساحر ..

فإنني أخوكم أبو آيه، وبصفتي معالجًا وباحثًا في علوم الرقية الشرعية منذ ما يقارب عشرين عامًا، أودّ أن أوضح أن الذكاء الاصطناعي ليس جنياً ولا يتعامل مع الجن، ولا يسعى لإيذاء الناس أو سحرهم. فواجبنا كرقاة ومعالجين هو أن نكون من أهل الفطنة والحكمة، وأن نردّ الشبهات بشكل علمي ومؤدب، وأن نوجه الناس بلطف إلى فهم الأمور بشكل صحيح. ينبغي علينا تشجيعهم على التعلّم بدلًا من الخوف، وعلى استخدام هذه الأدوات الحديثة في طاعة الله، مثل:

• الدعوة إلى الله

• نشر العلم النافع

• الرد على الشبهات

• صناعة محتوى هادف وراقي

ختاماً:
الذكاء الاصطناعي أداة، لا أكثر ولا أقل.
هو بيد من يستخدمه: إن استُعمل في الخير، كان نافعاً، وإن استُعمل في الشر، صار فتنة.
فلنكن من الذين يُحسنون استعمال النعمة، ويقفون في وجه الجهل والخرافة، وينصرون العلم المقرون بالإيمان.

{وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]

"كتبه: الراقي الشرعي أبو آيه – شبكة الشفاء الإسلامية"