فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
الكل يحب أن يعيش عيشا هنيئا منشرح الصدر بعيدا عن المنغصات المستمرة قد أنار الله قلبه بنور الإيمان لا يتطرق إلى قلبه الهم والقلق الدائمان فما هي أهم أسباب انشراح الصدر وزوال الضيق الذي يشعر به البعض فأقول مستعينا بالله
الإسلام من أعظم أسباب انشراح الصدر {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [سورة الأنعام: (125)] فإذا دخل الإيمان القلب انشرح وانفسح وعلى قدر الإيمان والطاعة على قدر انشراح الصدر وزوال الهموم والغموم ونصيب المسلم من ضيق الصدر وعدم الراحة على قدر إعراضه وغفلته و للمشركين من ضيق الصدر وعدم الراحة ما ليس لغيرهم فالمشرك في سجن دنيوي وإن كان في الظاهر منعما يعيش عيشة البهائم فلا يستغرب من الأخبار التي تطالعنا بها بعض وسائل الإعلام أحيانا من انتحار طائفة من الكفار يعيشون مرفهين قد أينعت لهم الدنيا وحققوا المكاسب الدنيوية من مال وشهرة وشهوات فهذا يعيش في ظل الأدوية النفسية والأخر يهرب من ضيق الصدر بإدمان المخدرات وتعاطي الخمور وآخر لم يجدِ معه هذا و لا ذاك فقتل نفسه هروبا مما يجده من ضيق الصدر
ومن أسباب انشراح الصدر العلم الشرعي الموروث عن الوحيين مع العمل به فالعلم الشرعي مع العمل به والحرص على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه حياة القلوب وانشراحها {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام: (122)].
فمن أنار الله بصيرته بالعلم النافع فهو على بصيرة من أمره عارف للخير سالك له لا تلتبس عليه الأمور وليس للشيطان عليه مدخل يفرق بين الحق والباطل بين السنة والبدعة مجتهد في دلالة الناس على طريق الخير محذر لهم من طريق الغواية
ومن أسباب انشراح الصدر المداومة على ذكر الله فضيق الصدر من الشيطان وذكر الله يطرد الشيطان فما تحصن متحصن من الشيطان بمثل مداومة الذكر فتطمئن النفس وتسكن ومع الغفلة يتسلط الشيطان على العبد {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [سورة الرعد: (28)] ومن أعظم الذكر تلاوة كتاب ربنا.
ومن أسباب انشراح الصدر طرد ما يرد عليه من وساوس الشيطان فالشيطان مسلط على الإنسان فهو تارة يأتيه بالشهوات وتارة يأتيه بالشبهات. ووقع الشبهات أعظم من الشهوات فإذا استسلم العبد للشيطان وسوس له في كل شيء وأوقعه في الشكوك التي يضيق صدره منها فيشككه في ربه وفي دينه وفي عباداته وبمن حوله حتى ربما شككه في عرض زوجته وقريباته من غير ريبة فيعيش في هم وضيق ويضيق على غيره وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة» حديث صحيح جاء عن جمع من الصحابة.
ومن أسباب انشراح الصدر تطهيره من الغل والحقد على الآخرين فالحقود الحسود دائما في هم وضيق كلما رأى نعمة عند غيره أو إذا ذكر غيره أو أثني عليه كاد ينفجر غيضا وغضبا لم يهنأ في حياته فهو في نكد وضيق دائما مشغول بغيره فمن أراد أن يهنأ في عيشه وينشرح صدره فليطهر قلبه ويبذل وسعه في ذلك من مجاهدة النفس وطرد إغار الشيطان صدره على إخوانه وكثرة الدعاء من ذلك {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.
ومن أسباب انشراح الصدر محبة الله قال ابن القيم في زاد المعاد (2/25) الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته، فلا شىء أشرح لصدر العبد من ذلك. حتى إنه ليقول أحيانا: إن كنت في الجنة مثل هذه الحالة، فإنى إذا فى عيش طيب. وللمحبة تأثير عجيب فى انشراح الصدر، وطيب النفس، ونعيم القلب، لا يعرفه إلا من له حس به، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد، كان الصدر أفسح وأشرح، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن، فرؤيتهم قذى عينه، ومخالطتهم حمى روحه.
ومن أعظم أسباب ضيق الصدر: الإعراض عن الله تعالى، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحب شيئا غير الله عذب به، وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالا، ولا أنكد عيشا، ولا أتعب قلبا، فهما محبتان: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح، وغذاؤها، ودواؤها، بل حياتها وقرة عينها، وهى محبة الله وحده بكل القلب، وانجذاب قوى الميل، والإرادة، والمحبة كلها إليه.
ومحبة هي عذاب الروح، وغم النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهى سبب الألم والنكد والعناء، وهى محبة ما سواه سبحانه.أهـ.
وأعظم أسباب انشراح الصدر بداية اليوم بالصلاة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» " (رواه البخاري (1142) ومسلم (776)) فيجد المصلي نشاطا وانشراحا فمن صلى الفجر في وقتها وصلى قبلها من الليل ما تيسر بدء يومه بقوة نفس ونشاط وهذا جربه الكثير منا فيجد المتهجدون في رمضان من النشاط والقوة وانشراح الصدر ما لا يجدونه في بقية الشهور فالمحافظة على الصلوات فرضها ونفلها من أعظم أسباب انشراح الصدر.
يقول ربنا تبارك وتعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} [سورة الحجر: (97-98)] فأرشده إلى الصلاة والذكر ليتقوى بهما على إزالة هذا الضيق العارض بسبب معاندة الكفار وكذبهم عليه.
حصول ضيق عارض للصدر أمر حاصل لاينفك منه أحد حتى من شرح الله صدره فيشرع اللجوء لله بإزالته فعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحا» قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات قال «أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن» (رواه الإمام أحمد (4306) بإسناد حسن).
معاشر الإخوة انشراح الصدر من أعظم الممن التي يمتن بها الله على عبادة ولذا أمتن الله بها على سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [سورة الشرح: (1)] فمن شرح الله صدره فليعلم أن هذا علامة خير فليستمر على ما هو عليه من الخير و ليزدد منه ومن كان خلاف ذلك فليفتش في نفسه وليبادر بإصلاح الخلل.
في الختام انشراح الصدر والسعادة وزوال الهموم ليست بالأمور المادية فلو كانت بذلك لما تطرق الضيق إلى المترفين إلى من جمعوا المال والجاه لوكان بالأمور المادية بذلك لم نجد فقيرا سعيدا منشرح الصدر فانشرح الصدر نور يقذفه الله في قلب عبده المؤمن بفعل الطاعات وترك المنهيات فيعيش منعما سعيدا فهو في جنة في الدنيا قبل الآخرة {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [سورة الإنفطار: (13-14)].