السيرة الدعوية لفضيلة الشيخ خليل الصيفي

  محيط البوك الخبر

قسم الاخبار
  السيرة الدعوية لفضيلة الشيخ خليل الصيفي     
 

الكاتب :    

 
 

 الزوار : 2872 |  الإضافة : 2010-02-21

 

الخطب المكتوبة والمقالات

 مقالات الاستاذ فادي شامية



من صفاء السريرة حين تكون على الفطرة، كانت البداية. لم تكن لوسي، تلك البلدة البقاعية، لتسع حلمه الذي يسكنه، مذ أشرق نور الإيمان فيه. حمل مشروعه ومضى. بين حقول القمح الذهبية سار. ذَرَّع المشي بين القرى. خالط الناس بالدعوة وكلّمها...

الشيخ خليل الصيفي: سيرة دعوة

فادي شامية

من صفاء السريرة حين تكون على الفطرة، كانت البداية· لم تكن لوسي، تلك البلدة البقاعية، لتسع حلمه الذي يسكنه، مذ أشرق نور الإيمان فيه· حمل مشروعه ومضى· بين حقول القمح الذهبية سار· ذَرَّع المشي بين القرى· خالط الناس بالدعوة وكلّمها··· وفي المساء عند الأَوب، يكون الدعاء: <اللهم سيّرني إلى حيث ترضى>!·
في العام 1969 أذِن الله للشيخ خليل الصيفي أن يهجر الانتظار· انتدبته دار الفتوى إماماً في صيدا· ومذ وصلها أدرك أنها هي الأرض التي كان يبحث عنها في أسمى أحلامه· أرض صيدون بن كنعان بن نوح ستكون موئلاً لبذرته الطيبة؛ فأهلها أهلٌ لكل خير، والحياة فيها متعة لا تنتهي!·

في صيدا أصبح الشيخ خليل الصيفي إمام المسجد العمري الكبير· لم يكن يصعب عليه التفريق بين الرَين والمعدن، ولا التمييز بين معادن الناس؛ فالطيبة والعنفوان، الحذاقة والمروءة، البشاشة والصلابة··· صفات يكثر وجودها في صيدا، لكن عباءة الإيمان، لم تكن في ذلك الزمان، بيضاء كما يليق بـ <صيدون العظيمة>، التي جاء ذكرها في أسفار العهد القديم·

كانت صيدا تبحث عن خليل الصيفي، كما كان هو يبحث عنها· جِبلّة أبناء الحقول حيث تحدّر هو، لم تكن غريبة أبداً عن بساطة أبناء البساتين، حيث يعيش الصيداويون في ذلك الحين· النفوس لم تكن غريبةً، ولا القلوب متنافرةً، والقادم يحمل المحبة سلاحاً لكل متكبر صادّ· في صيدا دبّت الروح في أحلام هذا القادم من الزمن الغابر· لم تعد <أرض الدعوة> مجرّد مشاهد جامدة حملتها الرؤية، لقد أصبحت واقعاً متفاعلاً بين الأزقة والحارات القديمة، وفي المقاهي وبيوت العائلات الكريمة·

ولم يكن <صاحب الحُلم> ينتظر الناس ليأتوه إلى المسجد، بل كان يهنأ بتغبير قدميه إليهم، غير مكترثٍ لأقوال الجهلاء، ولا لاتهامات السفهاء··· وفي المساء كان يغسل رجليه بالوضوء، وعينيه بالصلاة، ويختلي في مسجده الرابض على ذراع البحر، حيث لا مكان لهمٍّ أو نَصَب·

في ذلك الزمان، كانت مجاميع الناس في لبنان والعالم، تعتبر التدين بالشريعة رجعية، والتخلّق بالإسلام تخلّفاً، لكن خليل الصيفي هزم المشككين بقدوته الحسنة، ومحبته الآسرة· ففي مسجده، في البلدة القديمة، كانت أولى حلقات النور، تحفظ القرآن وتفقه السنّة، فتكفر بالجاهلية، وتصدع بالحق· وفي بيته الصغير - قرب ما سيُعرف لاحقاً باسم ساحة الشهداء - كان النشء الأول يتعلم دعوة حسن البنا، وأدب سيد قطب، وكتابات سعيد حوى، وفقه محمد الغزالي··· وهناك أعطى الرعيل الأول البيعة للشيخ فيصل مولوي· ومن هناك تخرّج الفتية الأوّلون؛ مشايخَ، وأئمةً، ودعاةً··· وشهداء!·

مع الشيخ العارفي لم يخذل الشيخ أحلامه، فكان يعيش الدعوة من فجر اليوم الأول إلى غسق الليل الأخير· وذات صباح، كان لقاءٌ غريب؛ فتىً يسأل عما لم يَعتـَد الشيخ أن يسمع· لقد كانت اللحظة التي عثر فيها الشيخ على تلميذه النجيب· سأله الفتى عن؛ الإخفاء والإقلاب والإدغام بغنّة، وعن صريف الأقلام في السماء· إنه الفتى الذي اعتكف قبل عدة أشهر في مسجد قطيش المجاور ليحفظ القرآن الكريم حتى بُحّ صوته· إنه محرم العارفي· ها قد التقيا وإلى الأبد!· قال الفتى: علّمني كيف ألفظ قوله تعالى: يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ}· ابتسم الشيخ قبل أن ينطق بالآية، لكأنه كان يقول: <إن مركب الدعوة قد انطلق وسيصل صوته عُباب السماء>!·

مشى التلميذ على خطى معلمه، وصار اسمه الشيخ المجاهد محرم العارفي· الرجل الذي عرفته صيدا خطيباً مفوّهاً، ومقرئاً محبَّباً، ومجاهداً صلباً، ورجلاً للمواقف الصعبة· العَلَم الذي غرسته سيرته في تاريخ صيدا بأحرفَ ملتهبة·

سار الشيخان في درب واحد، وإن باعدت بينهما المسافات· كانا يتخاطران في المساء، ويتهاتفان في النهار، ويُطمئن كلٌ منهما صاحبه عن الزرع، كيف ينمو، إلى أن أخذ الحزن حيزاً في قلب الشيخ خليل، برحيل حبيبه الشيخ محرم عام 2000 للميلاد·

مرت السنون، وانتقل الشيخ خليل إلى ساحاتٍ أوسع للدعوة· طار إلى البرازيل، وتجوّل في البلدان العربية والغربية··· وبقيت صيدا وجهة الحب الأولى لديه· كلما أراد أن يرتاح، نزل في بيت كريمته، التي زوّجها إلى أحد أبنائه في الدعوة هناك·

في شوارع صيدا، وحتى يوم رحيله، كان الداعية خليل الصيفي، يسير بحثاً عن ابن جديد له من أبناء الحركة الإسلامية، ليكحّل برؤيته عينيه، ثم يعانقه بشوق الأب الحاني، ولو لم يخبره أنه <والده>، أو يعلم <الابن الجديد> قصة الميلاد المجيدة!·

الرحيل مساء الجمعة الأخيرة، تسامر مع إخوانه الشباب· لقد كان الشيخ خليل شاباً لولا المشيب في وجهه!· أشرق الصباح فانطلق الشيخ إلى شؤون حياته· وبينما كان في أحد المعاهد الفنيّة في صيدا، استجاب قلبه لأمر الله بالتوقف عن العمل· هوى الشيخ في المدينة التي هوى!·

عند جثمانه في مستشفى حمود في صيدا، اجتمع الزمن في لحظة واحدة؛ الحلم الذي تحقق، والأبناء الذين كبروا، وجيل الدعوة المتنوع، بعد أكثر من أربعين عاماً على البذرة الأولى· كأن الفقيد كان يحس بوقع أقدام الجيل الذي أخرجه لسانه الرطب، فكان يبتسم شاكراً الله أنه وقّت لرحيله بين من أحب، وفي الأرض التي أحب!·

وسرعان ما شاع الخبر في المدينة؛ توفي الرجل المبارك خليل الصيفي· توفي صاحب الغرسة الأولى· توفي صاحب الكلمة الطيبة· رحل كالطيف كما جاء، كريماً عزيزاً، لم يـُتعب أحداً بسقم، ولم يشكُ لأحدٍ من ألم!·

يوم الأحد الماضي استعاد تراب البقاع بفخرٍ ابنه العظيم، بعد ستٍ وسبعين عاماً من الانتظار· لقد غاب الذي كان يجبر الرائين على محبته، ويأسر المستمعين بكلمته· هناك في لوسي، بكى المشيعون زاهداً لم يكونوا يدركون مقدار محبته قبل أن يفقدوه، وتقياً قلما سيجدون مثله بعد أن عرفوه· عادوا أدراجهم بأحرّ العَبَرات وأطيب الذكريات··· هؤلاء، وكل الذين عرفوه، لن ينسوه أبداً·

سيذكرونه كلما شيّدوا للدعوة صرحاً، فعلّموا بين جدرانها حرفاً· سيحفظون فضله عليهم وعلى من سيأتي من بعدهم· وسيروون لأولادهم سيرة الرجل المبارك؛ خليل الصيفي·


 
          تابع أيضا : مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


6 + 5 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك google_ashefaa

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع