الإسلاميون السنّة و 14 آذار

  محيط البوك الخبر

قسم الاخبار
  الإسلاميون السنّة و 14 آذار     
 

الكاتب :    

 
 

 الزوار : 2833 |  الإضافة : 2010-02-12

 

الخطب المكتوبة والمقالات

 مقالات الاستاذ فادي شامية



لم يعلن أي تنظيم أو تيار إسلامي في لبنان، أنه جزء من حركة 14 آذار، أو أنه يؤيد فريق 14 آذار بالمطلق، وذلك منذ تشكّل هذا الإطار السياسي وحتى اليوم. ومع ذلك فالغالبية الساحقة من الإسلاميين السنة في لبنان تعاطفت مع الشعارات التي رفعتها حركة 14 آذار في العام 2005،

الإسلاميون السنّة و"14 آذار"

المستقبل - الجمعة 12 شباط 2010

فادي شامية

لم يعلن أي تنظيم أو تيار إسلامي في لبنان، أنه جزء من حركة 14 آذار، أو أنه يؤيد فريق 14 آذار بالمطلق، وذلك منذ تشكّل هذا الإطار السياسي وحتى اليوم. ومع ذلك فالغالبية الساحقة من الإسلاميين السنة في لبنان تعاطفت مع الشعارات التي رفعتها حركة 14 آذار في العام 2005، وأيدت معظمها، سراً أو علناً!


وإذا كان مفهوماً أن التشكيلات الإسلامية في لبنان يصعب أن تكون جزءاً من تجمعات سياسية منوّعة مثل تجمع 14 آذار لأسباب كثيرة، تتعلق بالبنية الفكرية والتنظيمية لهذه التشكيلات، فإن هذا الأمر لم يمنع من استفادة جميع التشكيلات الإسلامية السنية في لبنان من نجاح "الحركة الاستقلالية" في تغيير الواقع الذي كان يسيطر على لبنان قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري.


وإذ لم تكن علاقة معظم الحركات والتيارات الإسلامية السنية في لبنان مع الرئيس الحريري على ما يرام، في حياته، لأسباب دينية وسياسية أكثرها مصطنع، فإن جميع هذه التنظيمات والتيارات باتت مدينة له في لحظة وفاته!. ولعل هذه المفارقة ستتوضح أكثر مع قراءة هذا المقال.


الإسلاميون السنة قبل 14 شباط 2005
منذ اتفاق الطائف وانتهاء الحرب الأهلية، عملت سلطة الوصاية على ضرب الحركات والتيارات الإسلامية السنية بأشكالٍ متعددة. سحبت "الملف المقاوم" من هذه الحركات وحصرته بـ"حزب الله". وهمّشت أكثر الإسلاميين في إطار التهميش العام للمكونات السنية والمسيحية (تهميش السنّة لأسباب تتعلق بسوريا، وتهميش المسيحيين لأنهم رفضوا مبكراً الوجود السوري) في لبنان. واستمالت بعض الحركات الإسلامية لتتناغم مع خطاب سلطة الوصاية ورغباتها. وجنّدت تنظيماً "أحباشياً"، وجعلته جزءاً من منظومتها الأمنية، في مواجهة الإسلاميين، وفزاّعة بوجه المسيحيين (تظاهرة السواطير الشهيرة)... وفي وقت لاحق وصمت الكثير من الحركات السلفية وغير السلفية بصفة الإرهاب، ولا سيما بعد أحداث الضنية 2000، و11 أيلول 2001... حتى بات الإسلاميون يُقدّمون كقرابين على مذبح العلاقات الدولية!


كان ممنوعاً على رفيق الحريري الاقتراب من الإسلاميين، أو معالجة الكثير من الظواهر المسيئة للإسلام في الساحة السنية. كان مطلوباً أن تكون حالة العداء وانعدام الثقة مستحكمة بينه وبينهم. ومع انتخاب الرئيس إميل لحود في 15 تشرين الأول 1998 بات رفيق الحريري نفسه في دائرة الاستهداف، رغم حرصه على خطب ود الرئيس لحود وتجنّب المواجهة معه. وهكذا بات الإسلاميون السنّة متهمين بكل جريمة لا يُعرف فاعلها. وبات "تيار المستقبل" مسؤولاً عن كل فساد أو هدر أو سرقة... حتى يكاد لا يكون من بين السنّة إلا إرهابي أو "حرامي"، اللهم إلا إذا كان موالياً لتركيبة النظام الذي كان قائماً!


من جهته، كان الرئيس السابق إميل لحود يرفض مجرد التواصل مع "الجماعة الإسلامية"، رغم أنها أكبر الحركات الإسلامية السنية، وأكثرها اعتدالاً (دخلت غمار الانتخابات النيابية منذ العام 1972). وهو من باب أولى، لم يكن يرى في أي إسلامي آخر إلا صورة أسامة بن لادن. وفيما كانت أجهزته تواصل الضغط على بيئة الإسلاميين واتهامهم بالاعتداء على المسيحيين (تفجير كنائس في طرابلس عام 1999) أو حتى "تيار المستقبل" (قصة الصواريخ التي وجهت إلى مبنى تلفزيون المستقبل)، انفجر الوضع في جرود الضنية نهاية عام 2000، ليصبح الإسلاميون جميعاً ملفاً أمنياً، وحقلاً للتشويه الإعلامي الخطير.


لحظة 14 شباط 2005
بناءً على هذا الواقع المتراكم، كانت الأجواء جاهزة لاتهام الإسلاميين بقتل الحريري، وهو ما سعت إليه الجهة التي قامت بالاغتيال فعلاً عندما قدّمت للرأي العام اللبناني والعالمي أحمد أبو عدس متبنياً قتل الحريري باسم الإسلام!. وقد تواطأ رؤساء الأجهزة الأمنية السابقة، على تأكيد نسبة جريمة اغتيال الحريري إلى الإسلاميين المتشددين (وهو الأمر الذي ظل الرئيس السابق إميل لحود يردده حتى لحظة مغادرته قصر بعبدا).


وبعد ساعات على الجريمة كانت قوى الأمن الداخلي في منزل أبي عدس في الطريق الجديدة، كاشفةً أن المذكور "ينتمي إلى احد التيارات الوهابية المتشددة. وتـَجري التحقيقات لمعرفة ما إذا كان صاحب العلاقة قد فجّر نفسه في الحادثة أو أنه مشارك لآخرين فيها". (لاحظ أن هذا البيان الذي أصدرته شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي آنذاك لم يترك مجالاً للشك في أن أبو عدس قد ارتكب الجرم المنسوب إليه فعلاً، الأمر الذي كذبته تقارير لجان التحقيق الدولي بشكل قاطع لاحقاً). وقد طغت "خبرية" أبو عدس على اليوم الأول للجريمة (كان النائب مروان حمادة أول من رفض هذا الاتهام مباشرة)، ما جعل كثيراً من الإسلاميين يتحسسون أجسادهم وأبناءهم، مستعدين لموجة ظلم جديد!


في هذه الساعات الحزينة سيطر شعور، غير معهود، على السنّة في لبنان ربما للمرة الأولى في تاريخهم- بأن الاستهداف قد وصل إلى مرحلة الوجود. هذا الأمر تكلّم به الناس الذين اندفعوا بعفوية إلى الشوارع-خلافاً لما كان يظن المجرم-، وهو ما أعلنه أيضاً "اللقاء السني"، الذي انعقد في دار الفتوى بحضور رؤساء حكوماتٍ ووزراء ونواب، وكثيرٍ من الإسلاميين.

نص البيان يومها على "أن المسلمين السنة في لبنان الذين راعهم وصدمهم هذا الاغتيال الجائر... ليشعرون أن قتل الرئيس الحريري يستهدفهم في وجودهم، ودورهم، وكرامتهم، وهم لم يكتفوا بالاستنكار لهذه الجريمة النكراء"!
كانت هذه اللحظة بمثابة نقطة تحوّل كبيرة، لدى الرأي العام اللبناني عموماً، والسنّة خصوصاً، وبالأخص منهم الإسلاميون الذين صاروا من أول المطالبين بحقيقة من قتل رفيق الحريري. وقد تطوّر هذا الموقف لاحقاً إلى جَسر الهوة التي فصلت الإسلاميين عن "المستقبليين" في المرحلة السابقة، فيما شذ جانب محدود من الإسلاميين، لجهة الاحتفاظ بموقف سلبي من الحريري (وهي سلبية غير معلنة إلى اليوم)، أو مواصلة لجهة الارتباط بسوريا.


حركة 14 آذار
لم يمض شهر واحد على لحظة 14 آذار، حتى ظهر في الواقع السياسي اللبناني تيار عريض، إسلامي ومسيحي، عبّر عن نفسه في التظاهرة المليونية الشهيرة في 14 آذار. أصبح هذا التيار من القوة بحيث سمح لكثير من اللبنانيين بأن يحلموا بما كانوا يعتبرونه مستحيلاً من قبل.


الإسلاميون كانت لهم أحلامهم أيضاً. فقد حلموا بالتخلص من كابوس النظام الأمني الذي كتم على أنفاسهم، واضطر بعضهم للتطرف رغماً عنهم. وحلموا بوقف متاجرة أجهزة المخابرات المختلفة بجسمهم "اللبيس". حلموا بمعاملتهم كمواطنين لا كمشبوهين من قبل الدولة وباقي شرائح المجتمع ... وحلموا بالتخلص من إميل لحود، وكل أعوانه، ومن السلطة التي تدعمه.
من أجل ذلك كله، ساند كثير من الإسلاميين طروحات 14 آذار، ولو بصمت، ولاسيما أنهم كانوا يرون بأم العين المحاولات الحثيثة لفريق آخر من اللبنانيين، كان يحاول حشرهم في جرائم لم يفعلوها (من المفيد تذكر حجم المواد التي بثت حول تورط مجموعة الـ 13، ليتبين أن لا علاقة لها بقتل الحريري، فلا المحكمة الدولية اهتمت لأمرها، ولا القضاء اللبناني حاكمها على هذا الأساس، وقد أطلق أكثر من نصف المجموعة، والآخرون يحاكمون بتهم أخرى لها علاقة بدعم المقاومة في العراق!). وتالياً فقد شاركت الحركة الإسلامية السنية في مراسم إحياء ذكرى الرئيس الحريري سنوياً. وألقى إسلاميون خطابات في ساحة الحرية غير مرة.


لقد بات واضحاً الإنجازات الكثيرة لقوى 14 آذار على المستوى الوطني؛ إسقاط النظام الأمني ورموزه، والانسحاب السوري، والعلاقات المتبادلة مع سوريا، والمحكمة الدولية... لكن ما ليس مضاءً عليه بما يكفي، ذلك الجانب الذي يتعلق بالإسلاميين السنة، إذ تحقق لهم الكثير مما كان يعتبر مجرد أحلام:


1 ـ لقد تهيّأت ربما للمرة الأولى- جهات علمانية وغير علمانية، إسلامية ومسيحية، تدافع عن الإسلاميين السنة في لبنان، وتبين ظلاماتهم المحقة، وبطبيعة الحال تدفع عنهم تهمة اغتيال الرئيس الحريري، ثم كثيراً من التهم اللاحقة بالتطرف والإرهاب. وقد أسهم هذا الجو في "ترييح" جو الإسلاميين عموماً، ووقوفهم بأنفسهم في مواجهة مظاهر الغلو في ساحتهم، أو محاولات الاختراق باسم الدين، وهو ما تجلى بوضوح في أحداث نهر البارد، لدرجة أن مقاتلي "فتح الإسلام" لم يجدوا لهم نصيراً خارج المخيم المذكور -كما كانوا يأملون-، حتى من قبل أكثر القوى السلفية قرباً منهم.


2 ـ تخلّص الإسلاميون من حكم الأجهزة وممارساتها و"فبركاتها"، وأصبح بعض رؤساء الأجهزة الأمنية على دراية كاملة بواقع الإسلاميين، والفارق بين الإسلامي والإرهابي، وبين المعتدل والمتطرف. وهذا مكسب كبير، للإسلاميين خصوصاً وللمسلمين واللبنانيين عموماً، ليس لأنه يكرّس حكم القانون فحسب، بل لأن من شأنه عزل العناصر المتطرفة وتجفيف بيئات عملها المتغذية أساساً من الظلم.


3 ـ تخلّص الإسلاميون من جهات استخباراتية كانت تعتقل بعضاً منهم، وتتدخل في خصوصياتهم، وتسلط بعضهم على بعض، وتحاسب أئمة المساجد على ما يقولونه في كثير من الأحيان.


4 ـ سمح هذا الواقع الجديد بإعادة النظر في ملفات عدد من الإسلاميين الذين اعتقلوا بالجملة خلافاً للقانون، كما صدر العفو عن موقوفي الضنية ومجدل عنجر في تموز 2005.


5ـ اعترفت وزارات الداخلية في الحكومات التي تشكّلت بعد الانسحاب السوري من لبنان، بحرية العمل للإسلاميين، بعيداً عن القمع أو الملاحقة، كما انفتح المجال أمام بعض القوى الإسلامية لتعبر عن نفسها من خلال الترخيص لوسائل إعلامية تابعة لها (إذاعة الفجر التابعة لـ "الجماعة الإسلامية" مثلاًً). بل أكثر من ذلك، فقد سمحت الأجواء الجديدة بالترخيص لحزب "التحرير الإسلامي" الذي لا يؤمن أصلاً بشيء اسمه "الديموقراطية"، من باب حقه في التعبير عن نفسه، على أن يحكم الرأي العام على أفكاره، سواء بالقبول أو الرفض. وبطبيعة الحال، ذلك كله لم يكن ليتحقق لو بقي الحال على ما كان.


6ـ انهارت الحدود المفروضة بين الإسلاميين وكثير من المواقع السنية، وازداد التقارب بين الإسلاميين وباقي شرائح المجتمع اللبناني، ولا سيما السنة، ميدان عمل الإسلاميين أساساً، بما انعكس إيجاباً على واقع أهل السنة في لبنان، وعلى التقريب بين كافة المرجعيات السياسية والدينية في الطائفة، وهو أمر كان ينشده معظم الإسلاميين على الدوام.


قد يصح القول إنه بالنسبة للإسلاميين، فإن ذكرى استشهاد الرئيس الحريري ليست ذكرى دينية (بالمعنى الضيق للكلمة)، لكنها بالتأكيد ذكرى تعني الإسلاميين في لبنان كثيراً، انطلاقاً من أنها كانت محطة حاسمة في تاريخهم، ومن أن مفاعيلها السياسية ما تزال قائمة حتى اليوم. فضلاً عن أنها مناسبة للوقوف مع المظلوم بوجه المجرم، ومع الوطن بوجه الذين يعبثون بسلمه الأهلي.


في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري الخامسة، ما زال مطلوباً من كل من حلم بغدٍ أفضل، أن يواصل الحلم، فما حققه الحالمون كبير، لكنه غير كافٍ، ولا سيما أن ثمة من يتمنى أن تحل الكوابيس مكان الأحلام!


 
          تابع أيضا : مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


9 + 2 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك google_ashefaa

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك جديد دليل المواقع