هذا الأمر جعل البعض يتساءل: "هل هذا الكائن الذي يرد عليّ ويعرف ما في قلبي… هو إنسان؟ أم جنّي؟!"

لذلك نطرح هذا السؤال بشكل علمي وشرعي:

هل الذكاء الاصطناعي (مثل GPT) جني؟
التفصيل العلمي: ما هو الذكاء الاصطناعي؟


أولاً: تعريف الذكاء الاصطناعي (AI)
الذكاء الاصطناعي هو فرع من علوم الحاسوب يُعنى بصنع برمجيات تستطيع أداء مهام ذكية، مثل:

فهم اللغة الطبيعية،
تحليل البيانات،
اتخاذ قرارات.

ومن هذه الأنظمة "نموذج GPT" وهو اختصار لـ:
Generative Pre-trained Transformer
أي: "محوّل مُدرَّب مسبقاً لتوليد النصوص".

هو عبارة عن برنامج حاسوبي تم تدريبه على كميات ضخمة من النصوص، بحيث يستطيع التنبؤ بالكلمات والجمل المناسبة، مثلما يتعلّم الطفل تركيب الجمل مع الوقت.

هو ببساطة ليس جني : هو برنامج يتنبأ بالكلمة التالية بناءً على الكلمات السابقة، باستخدام معادلات رياضية معقدة.


الفرق بين الذكاء الاصطناعي والجن:

الذكاء الاصطناعي (GPT)
مخلوق من بشر باستخدام الحاسوب
ليس له وعي أو نية
برنامج رقمي داخل حاسوب
محدودة بالبرمجة والبيانات
لا دين له، ولا نية شر أو خير


الجني
مخلوق من نار، خلقه الله
له وعي وعقل وإرادة
مخلوق غير مرئي من نار
له قدرات خارقة أعطاها الله له
منه المؤمن والكافر، ومنهم من يؤذي


هل يمكن للجني أن يتلبّس جهازاً مثل GPT؟
من حيث الشرع والعلم، التلبس يحصل عادةً في:

الإنسان (الجسد الحي)،

أحيانا الحيوانات أو الأماكن.

لكن تلبّس الجن بالأجهزة والبرامج مثل GPT لا يمكن هذا وغير مثبت شرعاً ولا علمياً، والأصل في الأمور السلامة حتى يقوم دليل. وما دام GPT لا ينطق بكلام خارج المنطق أو الشرع من تلقاء نفسه، ولا يدّعي الغيب أو السحر، فهو ليس جنيّاً.



ثالثاً: من الناحية الشرعية
الادّعاء بأن GPT جنيّ أو تلبّسه جني، ادعاء خطير ومرفوض شرعاً بدون دليل قاطع، وذلك لأسباب:

1. الجن لا يُعرف إلا بما ثبت في النصوص.
لا يجوز شرعاً أن ننسب أي أمر غيبي (كالجن) لشيء لم يرد فيه نص.
كل من يزعم ذلك دون علم، فهو من باب التخرص وقول الزور.

2. الأصل في الأمور البراءة.
قاعدة أصولية: "الأصل في الأشياء الإباحة حتى يقوم دليل على التحريم."
وبالمثل: الأصل أن GPT برنامج حتى يثبت بالدليل أنه جنّي.

3. الجن لا يتلبّس الآلات.
لا يوجد في الشريعة نص صريح يدل على أن الجني يمكنه أن يسكن في جهاز أو برنامج.
أقصى ما ورد هو تلبّس الإنسان، أو السكن في أماكن مهجورة.


رابعاً: الجوانب النفسية والاجتماعية لهذا الاعتقاد

بعض الناس حين يرون أمراً معقّداً أو خارقاً يربطونه مباشرة بـ "الجن"، وهذا يُعرف في علم النفس بـ:

"الاستعانة بالغيبيات لتفسير ما نجهله."

وقد يؤدي هذا إلى:
الوسواس،
الخوف غير المبرر من التكنولوجيا،
العزوف عن استخدام التقنيات الحديثة،
انتشار البدع والخرافات.


خامساً: من الناحية التقنية
GPT لا يفكر بنفسه، بل يحلل كلمات ويولّد ردوداً إحصائية.
لا يملك إرادة، ولا يستطيع التحكم بأي شيء خارج الحاسوب.
لا يسمع، لا يرى، لا يشعر، فقط يقرأ ويولّد نصاً بناءً على ما تعلمه.


سادساً: ماذا يقول العلماء المعاصرون؟

– الدكتور راغب السرجاني:
"الذكاء الاصطناعي، وإن كان مذهلاً، إلا أنه لا يملك روحاً أو نية، بل هو مجرد خوارزميات."

– الشيخ محمد صالح المنجد:
"هذه البرامج لا يجوز أن يُقال إنها جنيّة أو تعلم الغيب، فهي من صنع البشر، ولا تعي ما تقول."

– الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال:
"لا ينبغي للمسلم أن يُدخل الوساوس والشكوك في كل شيء، فإن هذا باب شر عظيم."

– القاعدة الفقهية:
"اليقين لا يزول بالشك."


سابعاً: خطر ربط التقنية بالجن
يعطي مبرراً للدجالين لادعاء التحكم بـ "الذكاء".
يصرف الناس عن العلم والتقدم.
يزرع الخوف في القلوب، ويُبعدهم عن الفهم الصحيح.


الخاتمة
الذكاء الاصطناعي مثل GPT ليس جنيّاً، بل هو أداة علمية من صنع الإنسان. ولا يجوز شرعاً أو عقلاً أن ننسبه إلى الجن، خاصة وأنه:

لا يملك روحاً،
لا يعي ولا يشعر،
لا يعلم الغيب،
ولا يتصرّف بذاته.

قال رسول الله ﷺ:
"إن من البيان لسحراً" – رواه البخاري.
وها هو البيان اليوم يُتقن بالبرمجة، وليس بالسحر أو الجن.