محطات في السياسة الخارجية للبنان: 2/2

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
محطات في السياسة الخارجية للبنان: 2/2

   الكاتب :

 

 الزوار : 2138   الإضافة : 2010-02-18

 

من المعلوم أنه قد جرى انتخاب الرئيس ميشال سليمان على أساس توافقي. ومن المعلوم أيضاً أن فخامته يعمل في واقع لبناني وإقليمي صعب، وأنه يحرص على عدم استفزاز أية شريحة من اللبنانيين، وأنه نجح في أكثر من محطة ومناسبة في إعادة الدور الحيوي لرئاسة الجمهورية، وتالياً للبنان في المحافل الإقليمية والدولية.

محطات في السياسة الخارجية للبنان: 2/2

الاعتراضات على تحركات رئيس الجمهورية والدعوة إلى الغياب الكلي عن قمة ليبيا

فادي شامية

من المعلوم أنه قد جرى انتخاب الرئيس ميشال سليمان على أساس توافقي. ومن المعلوم أيضاً أن فخامته يعمل في واقع لبناني وإقليمي صعب، وأنه يحرص على عدم استفزاز أية شريحة من اللبنانيين، وأنه نجح في أكثر من محطة ومناسبة في إعادة الدور الحيوي لرئاسة الجمهورية، وتالياً للبنان في المحافل الإقليمية والدولية.


هذا "النجاح" الرئاسي، لم يقابل في كل مرة، بما يستحق من تقدير، إذ أن جهاتٍ سياسية، حاولت قبل تشكيل حكومة الرئيس الحريري الأخيرة، وبعدها، التأثير على الرئيس، أو "التهويل" عليه، ليأخذ الموقف الذي يتناسب مع هذه الجهات.


وللتذكير، فإن الرئيس تعرّض لحملة سياسية وإعلامية قبل وأثناء وبعد مشاركته في القمة الاقتصادية العربية التي انعقدت في الكويت في كانون الثاني من العام الماضي، رغم أن هذه القمة بالتحديد شهدت أساس المصالحة العربية بين السعودية وسوريا، وهي المصالحة التي انعكست إيجاباً، وبوضوح، على الوضع اللبناني عموماً.


وقتها، انتقدت صحف، واضحة الاتجاه، رئيس الجمهورية بعبارات قاسية، واعتبرت أن مشاركته في القمة العربية لا لزوم لها، وأن العماد سليمان بدا في القمة "هزيل الحضور والخطاب"، وأن كلمته "خارج السياق، وقدمت صورة لا تشبه صورة لبنان الذي قاوم إسرائيل وهزمها مرات عديدة". أما في الشارع فقد جرى تنظيم تظاهرة أمام السفارة الأميركية في عوكر ردد فيها المتظاهرون عبارات لا تليق بمقام رئاسة الجمهورية. أما المواقف الأقل حدة فقد ركّزت على رفض الإساءة لرئيس الجمهورية، بالتوازي مع حثه على المشاركة في قمة الدوحة العربية (التي سبقت قمة الكويت) بمن حضر، خلافاً لموقفه عدم المشاركة إذا لم يكتمل النصاب. (وقد شارك سليمان في القمتين وكان موقفه مفيداً للبنان).


وفي شهر كانون الأول الماضي سافر رئيس الجمهورية إلى الولايات المتحدة الأميركية لمقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما. وقد شكّلت الزيارة أيضاً مادة جديدة للتهجم على رئيس الجمهورية. تماماً كما فعل المعترضون عندما توجه إلى نيوريوك في وقت سابق، للمشاركة في مؤتمر للأمم المتحدة يتعلق بحوار الحضارات، لم يشارك فيه الرئيس السوري بشار الأسد. علماً أن سليمان لم يتخذ أي موقف في واشنطن خلافاً للإجماع اللبناني، خصوصاً في ما يعني سلاح "حزب الله".


والشاهد من هذه المحطات كلها، أن رئيس الجمهورية تعرّض أكثر من مرة لانتقادات ظالمة وغير محقة. ظالمة لأن الرئيس سليمان لم يتخذ تلك المواقف التي تخيّلها البعض. وغير محقة، لأن من حق موقع رئاسة الجمهورية، أن يتمتع بهامش مناسب من الحركة والمواقف السياسية، دون أن يستفز ذلك أي فريق، إذ يستحيل أن يقوم الرئيس أي رئيس - بتحركات ومواقف سياسية تعجب الجميع دوماً، لكن احترام الرئيس بصفته رمز وحدة البلاد يفترض؛ احترام مواقفه، وعدم إرباكه في سياسته الخارجية، وعدم تعريض شخصه للإساءة.


والقمة العربية في ليبيا
في 27 آذار القادم تنعقد القمة العربية في ليبيا. ومع أن الفترة الزمنية ما زالت بعيدة نسبياً، إلا أن لبنان يشهد حملة استباقية لعدم مشاركة لبنان، إلى جانب إخوانه العرب، في هذه القمة.
الرئيس نبيه بري بكّر في إطلاق المواقف المحذرة، ومن على باب القصر الجمهوري دعا إلى مقاطعة القمة العربية القادمة. أما نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان فقد "حذّر" بشكل واضح من مشاركة لبنان في القمة. وأضاف: "إننا نرفض رفضاً مطلقاً مشاركة لبنان في أعمال القمة العربية في ليبيا، لأننا نعتبرها دولة معادية وظالمة، وقيادتها تتحمل مسؤولية إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه. في اختصار، على ليبيا الاعتذار اليوم قبل غد"!. وقد صدرت مواقف كثيرة مشابهة عن شخصيات شيعية أخرى من حركة "أمل" و"حزب الله".


والحقيقة أن هذا الموقف السلبي - لجميع اللبنانيين وليس الشيعة فقط - من النظام الليبي محق، إذ يكاد يكون العقيد معمر القذافي يكون من أكثر الرؤساء العرب جنوحاً وظلماً، فضلاً عن أن ملف الإمام موسى الصدر ورفيقيه ما زال مفتوحاً بوجهه، من قبل الحكومة والقضاء اللبنانيين. لكن هل يعني ذلك أن يقاطع لبنان إخوانه العرب، المنعقد اجتماعُهم في ليبيا؟ ثم أليس الأجدى أن يـُناقش هذا الموضوع بين الرؤساء الثلاثة وداخل مجلس الوزراء قبل أن يخرج إلى العلن بهذا الشكل، فيكون الموقف اللبناني جامعاً وقوياً ومعبّراً؟!
إن تعامل لبنان مع استحقاق القمة العربية القادمة في ليبيا يحتاج إلى تأنٍ لأسباب عديدة:
1 - إن مقاطعة لبنان للقمة هو مقاطعة للعرب وليس لليبيا، ذلك أن القمم العربية تنعقد في الدول العربية تباعاً، وهذه المرة كانت ليبيا هي الجهة المستضيفة. علماً أن لبنان يحتاج في هذه اللحظة السياسية إلى موقف واضح من أشقائه العرب في مواجهة التهديدات الإسرائيلية التي يتعرض لها، كما يحتاج إلى تأكيد دوره وموجباته في المصالحة العربية، لما لهذه المصالحة من تأثير إيجابي على استقراره واستقرار المنطقة من حوله.


2 - صحيح أن القضاء اللبناني قد أصدر مذكرة توقيف غيابية بحق العقيد معمر القذافي، إلا أن لبنان لم يقطع علاقته مع طرابلس، والعلاقات الديبلوماسية بين لبنان وليبيا قائمة، رغم سحب السفير الليبي من لبنان احتجاجاً على استثنائه من دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري للمشاركة في إحدى الفعاليات. كما للبنان سفارة في ليبيا ما زالت تعمل، من خلال القائم بالأعمال، الذي يتعامل يومياً مع الدولة الليبية!.


3 - رغم النظرة اللبنانية السلبية إلى ليبيا، إلا أنه لا يجوز المغالاة لدرجة اعتبار ليبيا دولة معادية كما صرح المفتي قبلان - إذ ثمة فارق بين النظام الليبي الظالم وبين الشعب الليبي الشقيق، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود أكثر من ألف لبناني يعملون في ليبيا، إذ لا يستقيم اعتبار ليبيا دولة معادية مع وجود علاقات دبلوماسية معها، ووجود لبنانيين على أراضيها، لأن اللبناني لا يجوز أن يذهب إلى بلدٍ "عدو" تحت طائلة الملاحقة القانونية.


4 - استطراداً، وحتى يستقيم منطق رفض أي شكل من أشكال التعاون مع ليبيا من قبل من يطرحه، فعلى هذا الفريق أن يطلب هذا الأمر من شخصيات سياسية ودينية كثيرة، ارتبطت ومازالت بالنظام الليبي، وهي في قلب الفريق السياسي المطالب بالمقاطعة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الشيخ عبد الناصر جبري المعروف التوجه (نائب رئيس "جبهة العمل الإسلامي") كان قد أسس كلية الدعوة الإسلامية بدعم من ليبيا، وما تزال شهادات طلابه تصدر إلى الآن من ليبيا، التي يزورها باستمرار.


5 - إذا كانت مشاركة لبنان في القمة العربية في ليبيا غير مستساغة من قبل فريق سياسي لبناني، وإذا كانت علاقة هذا الفريق على أحسن حال مع كل من سوريا وإيران، فلماذا لا يصدر موقف واضح يدعو سوريا - أو إيران - للتضامن مع لبنان في موقفه من ليبيا، خصوصاً أن علاقة سوريا مع الجماهيرية الليبية ممتازة، ومشاركة الوفد السوري في القمة القادمة مؤكدة. فضلاً عن أن القذافي شارك شخصياً في القمة التي انعقدت في دمشق قبل نحو سنتين من الآن.


6 - أخيراً، أليس ثمة إمكانية لفصل مسار قضية الإمام الصدر ورفيقيه - بعد كل هذه السنوات - عن مسار العلاقة مع ليبيا؟!. ألم يفصل لبنان مسار علاقته بسوريا عن مسار التحقيق بجريمة اغتيال الحريري وباقي الجرائم؟ ربما ما زال الوقت متاحاً لدرس الموضوع في مجلس الوزراء، بديلاً عن المواقف المتسرعة.


عموماً، وبالانتقال إلى ملف آخر في السياق نفسه، فإن لبنان - الذي بات عضواً غير دائم في مجلس الأمن - سيكون عليه قريباً اتخاذ موقف في مجلس الأمن من ملف العقوبات على إيران. فهل سيناقش مجلس الوزراء الموضوع أم أن وزير الخارجية سيوجّه البعثة اللبنانية في الأمم المتحدة وفق ما يراه؟ وهل سيكون الموقف اللبناني "توافقياً" أم أن حملة جديدة سوف تقوم على أساس التحكم بسياسة لبنان الخارجية، وجرها باتجاه معين، لتصبح السياسة الخارجية، كما الدفاعية، حكراً على فريق من اللبنانيين دون سواه؟.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


4 + 3 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك google_ashefaa

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع