إصلاح ذات البين

  محيط البوك عدد المحاضرات

 

     الوصف   


الشيخ د. : صالح بن عبد الله الهذلول خطبة مكتوبة بعنوان : إصلاح ذات البين


     الشـرح    


عناصر الخطبة

1/ حث الشرع واعتناؤه بإصلاح ذات البين
2/ من القرآن والسنة وأقوال السلف في الإصلاح
3/ من آثار الخلاف والنزاع
4/ إرشادات للسلامة من الخلاف والنزاع


اقتباس

وقد تتسع دائرة الخلاف، وتسري من الآباء إلى الأبناء والأحفاد! فبدلاً من أن تسود صلة الرحم، تحل القطيعة والكراهية بينهم، وأحياناً يجر الخلاف صاحبه إلى إراقة الدماء المعصومة، وأعظمه استحلال الدم الحرام، وكثير من حالات القتل التي تقع بين المسلمين بسبب خلافات شخصية تنشأ، لم يوفق أهلها إلى ..


الخطبة الأولى:


يتشوَّفُ الشرع المطهَّر إلى أن تسود المحبَّةُ والمودَّةُ والرحمةُ بين المسلمين، وإذا وقع خصام بين مسلمين بادَرَ إلى ترميم ما تصدَّع من بناء الأفراد والأسر والمجتمعات، وإصلاح ما فسد من علاقات التراحم والتواصل.

وردت هذه المعاني مؤكّدة في نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة، وأوصى بها علماء الإسلام وعقلاء الأمة على مر القرون.

فمن القرآن الكريم، قول الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات:10]، (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [الحجرات:9]. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال:1]، (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرَاً عَظِيمَاً) [النساء:128]، (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى:40]، وقوله تعالى: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف:170].


ومن السنة قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟"، قالوا: بلى، قال: "إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة" رواه أبو داوود والترمذي.

ومن آثار السلف: قال رجل لمحمد بن كعب القرظي: ذهبت للإصلاح بين قوم، قال: أدركت درجة المجاهد. ثم قرأ: (لا خير في كثير من نجواهم… الآية). وقال أنس بن مالك: "من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة". وقال الأوزاعي: "ما خطوة أحب إلى الله -عز وجل- من خطوة في إصلاح ذات البين، ومن أصلح بين اثنين كتب الله براءته من النار".

عني الإسلام عناية فائقة بالإصلاح بين المسلمين، إلى درجة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخر الصلاة، وأمر أبا بكر أن يصلي بالناس حين علم أن ناساً من بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء فخرج إليهم -صلى الله عليه وسلم- في أناس من أصحابه يصلح بينهم. متفق عليه.

بل حتى الكذب الذي هو من أرذل الصفات، وأسوأ الأخلاق، أجازه الإسلام إذا كان يسهم في الإصلاح، وأثاب عليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيراً، أو يقول خيراً" رواه البخاري. كل هذا لأن مفسدة الكذب تتلاشى وتذوب في عظم منفعة الصلح.

وعوض الإسلام المصلح -الذي يدفع من ماله لقضايا الإصلاح- بأن يفرض له من الزكاة -وهو ما يعطى للغارم-؛ لأنه ينفق ماله للإصلاح، مع ما يناله من الأجر.

إن الخلاف شر، ومعصية للرحمن، ووقوع في حبائل الشيطان، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) [المائدة:91].

كما أنه سبب لمنع العمل الصالح أن يرفع؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تُفْتَحُ أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا" رواه مسلم.

وهو مجلبة ومدعاة للآثام الباطنة والظاهرة، والله -تعالى- حذرنا من الإثم ظاهره وباطنه. ينشب خلاف بين شخصين -وهذا أمر وارد ومتوقع سواءٌ في مسائل العلم والدعوة، أو على الدنيا- لكن اللوم يتوجه إليهما أو إلى أحدهما حين يؤدي الخلاف إلى الظلم والغيبة، والسب والشتم، وفرح أحدهما بخطأ الآخر، وربما جر أحياناً إلى التبديع والتفسيق، واستباحة لعن صاحبه.

كم من أموال اليتامى والأرامل ضاعت، وسلبت حقوق أهلها؛ بسبب الخلاف بين الأقارب، وعدم توصلهم إلى حل وسط يرضي أطراف النزاع، ويبقي على المودة والتراحم! كم سبب الطلاق من شتات أسر، وحرمان أطفال من العيش في أحضان والديهم!.

الخلاف شر يورث الضغائن، ويزرع الأحقاد، خاصة بين الأقارب، أو بين أصحاب العلم والدعوة.

وقد تتسع دائرة الخلاف، وتسري من الآباء إلى الأبناء والأحفاد! فبدلاً من أن تسود صلة الرحم، تحل القطيعة والكراهية بينهم، وأحياناً يجر الخلاف صاحبه إلى إراقة الدماء المعصومة، وأعظمه استحلال الدم الحرام، وكثير من حالات القتل التي تقع بين المسلمين بسبب خلافات شخصية تنشأ، لم يوفق أهلها إلى قطع الطريق على الشيطان في التحريش بينهم، (فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:30].

سؤال: إذا وقعت في خلاف مع مسلم؛ فكيف تخرج منه سالماً؟ بل مأجوراً -إن شاء الله تعالى-؟! لعل الأخذ بالإرشادات التالية هو الطريق الأمثل لتحقيق ذلك:

كره الخلاف، وبغض الخصام، والسعي دائماً إلى الائتلاف والتواصل.

القبول بمبدأ الصلح فيما لو وقعت خصومة، أو وجد خلاف.

معرفة فضيلة العفو، وأنه سبب لمحبة الله -تعالى- ومغفرته، ودخول الجنة، قال الله -تعالى-: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) إلى قوله تعالى: (أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:134-136].

ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سره أن يشرف له البنيان، وترفع له الدرجات – فليعف عمن ظلمه، ويعط من حرمه، ويصل من قطعه" متفق عليه.

تذكر أن العفوَّ اسم من أسماء الله -تعالى-، والعفوُّ من صفاته سبحانه، والله -تعالى- يحب أن يوافقه عباده في صفاته التي هي من شأنهم؛ كالعفو والإحسان والكرم والرحمة والحلم… ونحوها.

اعلم بأن العفو خلق الكُمَّل من الناس، وليست صفة ضعف، وقد اتصف به الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.

وفي القرآن الكريم قال يوسف -عليه الصلاة والسلام- لإخوته -حين عفا عنهم-: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:92].

وقال محمد -صلى الله عليه وسلم- لقومه: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". وقص -صلى الله عليه وسلم- خبر نبي من الأنبياء ضربه قومه فأخذ يمسح الدم عن وجهه، ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

الوقاية خير من العلاج، فتجنب -أيها المسلم- كل ما يدعو للنزاع والخلاف؛ كالسخرية والاستهزاء، والله -تعالى- يقول: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوَّاً مُبِينَاً) [الإسراء:93]، ويقول -سبحانه-: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) [الحج:24]. وعجل بقسمة التركة والميراث، فتأخيرها دون فائدة تُذْكَر احتقان قد يضر.

وأخيراً، تنبَّه إلى أن الإستجابة للصلح، وإيثاره، بدلاً من الخصومة – فيه توفير للأموال التي قد تنفقها على المحامين مقابل استخراجهم حقك! والأموال التي تنفق في الذهاب والإياب للمحاكم، وفيه توفير للأوقات، وراحة للقلوب أن تشغل بالشح والشحناء؛ فإن فصل القضاء قد يورث القطيعة والبغضاء.

نسأل الله -تعالى- أن يصلح أحوال المسلمين، ويؤلف بين قلوبهم على الحق.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


    2021-01-04       الزوار  4961
 
 
          تابع أيضا : مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


9 + 1 =

/300
  محيط البوك روابط ذات صلة

عدد المحاضرات السابق
المحاضرات المتشابهة عدد المحاضرات التالي
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك جديد دليل المواقع