هل تخدم الإعترافات المسجّْلة دمشق في مواجهة المؤامرة؟

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
هل تخدم الإعترافات المسجّْلة دمشق في مواجهة المؤامرة؟

   الكاتب :

 

 الزوار : 2567   الإضافة : 2011-04-17

 

لا يملك خصوم النظام السوري-كما حلفاؤه- إلا الاعتراف بقدرته "الممتازة" على التكيف مع الظروف الإقليمية المختلفة، ومواجهة التحديات الخارجية من خلال؛ الدبلوماسية، وتحريك الأوراق الكثيرة التي يملكها. غير أن التحدي الذي يواجهه النظام السوري اليوم هو من طبيعة داخلية -بغض النظر عن الأسباب-، أي أن الأزمة هي داخل سوريا، وفي علاقة الشعب بالنظام، وليس أزمة خارجية لا تميز بين الشعب والنظام، كما كان يحصل من قبل.

هل تخدم الإعترافات المسجّْلة دمشق في مواجهة المؤامرة؟

فادي شامية

لا يملك خصوم النظام السوري-كما حلفاؤه- إلا الاعتراف بقدرته "الممتازة" على التكيف مع الظروف الإقليمية المختلفة، ومواجهة التحديات الخارجية من خلال؛ الدبلوماسية، وتحريك الأوراق الكثيرة التي يملكها. غير أن التحدي الذي يواجهه النظام السوري اليوم هو من طبيعة داخلية -بغض النظر عن الأسباب-، أي أن الأزمة هي داخل سوريا، وفي علاقة الشعب بالنظام، وليس أزمة خارجية لا تميز بين الشعب والنظام، كما كان يحصل من قبل.

لهذا السبب فإن كفاءة النظام السوري في التعامل مع هذا التحدي، المختلف في طبيعته، يحتاج إلى فحص، سيما أن هذا النظام لم يخضع إلى اختبار مشابه منذ العام 1982، مع الإشارة إلى أن الآليات التي اعتُمدت في ذلك الحين (القضاء على "الأخوان المسلمين" وإزهاق أرواح عشرات الآلاف من السوريين)، لا تنفع في عصر العولمة والإنترنت الحالي... ومع ذلك فإن المؤشرات متزايدة على الارتكاس نحو الماضي، واعتماد أساليب بالية، وغير مجدية في هذا الزمن (حظر النشاط الإعلامي مثلاً)، ما يقلل من فرص نجاح النظام في سوريا في النجاح بالاختبار الذي يواجهه.

يوم الأربعاء الماضي 13/4/2011؛ بث الإعلام الرسمي السوري ما أسماه "اعترافات خلية إرهابية، مؤلفة من ثلاثة أشخاص تلقوا أموالاً تفوق التوقعات، من جهات خارجية"، وذلك "بهدف التحريض على التظاهر، والدعوة إلى إسقاط النظام في سوريا، والقيام بأعمال تخريبية من شأنها المساس بأمن سوريا". وقد سمى "المعترفون" جهتين؛ جماعة "الأخوان المسلمين"- سورية ممثلة بأحمد عودة وفداء السيد وآخرين، و"تيار المستقبل"- لبنان ممثلاً بالنائب جمال الجراح. وقد قالت صحيفة "البعث" السورية إن ما عرض هو "أولى خيوط المؤامرة، وسيتبعها مسلسل طويل من الاعترافات". ومعنى ذلك أن النظام السوري يعتبر أن مسلسل "الاعترافات" الموعود هو جزء من مواجهة ما يسميه مؤامرة عليه؛ لكن السؤال هو: هل يساعد هذا الأسلوب في مواجهة التحدي الداخلي للنظام أم يعقده؟!

لقد سبقت الإشارة إلى التغيرات التي أصابت العالم اليوم؛ والتي تعتبر الثورات العربية المجيدة أحد أهم نتائجها، ما يعني أن طرق وأساليب أي نظام في مواجهته التحديات يجب أن "تتطور"، وأن ما كان مجدياً في القرن الماضي لم يعد –بالضرورة- كذلك اليوم، وتطبيقاً لذلك؛ فإن عرض الناس على الشاشات، وإذاعة اعترافاتهم لم يعد حجة لصالح النظام، بقدر ما صار حجة عليه، لدرجة أن بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية (ذات المهنية العالية) لم تعد تقبل عرض هذه البضاعة على شاشاتها (على سبيل المثال لا الحصر؛ رفضت الفضائيات الأجنبية عرض شريط "الاعترافات" السوري، واضطرت قناة الجزيرة إلى طمس معالم الوجه عند العرض)، لأنه لم يعد، وفق مفاهيم تطور الإعلام، يحمل أي قيمة إخبارية، إلا من باب تحليل سلوك النظام، إذ لا يمكن عقلاً أن تكون الاعترافات إلا وفق هوى النظام نفسه، مهما بدا المعترفون مرتاحين أثناء الإدلاء باعترافاتهم!.

هذه الملاحظة "الشكلية" تصبح أكثر أهمية إذا أضفنا إليها معطيات آنية تزيد من افتقار "الاعترافات" للمصداقية؛ من قبيل منع وسائل الإعلام الحرة من العمل، وحجب مواقع إنترنت بعينها، وفرض رقابة على دخول الصحف الأجنبية، بما فيها الحليفة للنظام السوري كبعض الصحف اللبنانية، واعتماد أسلوب الحصار الكامل للمناطق المضطربة (درعا ثم بانياس)، وتقييد حرية الكلمة عموماً، حتى من قبل القريبين من النظام (إقالة سميرة مسالمة نموذجاً).

ولا تقتصر المؤشرات على عدم المصداقية عند هذا الحد؛ فإذا رجعنا أسبوعين إلى الوراء نجد أن الإعلام الرسمي السوري قد قدّم بنفسه دليلاً على عدم مصداقية ما يبثه، وذلك عندما عرض "اعترافات" مشابهة، بل أخطر، للمهندس المصري محمد أبو بكر رضوان، الذي "اعترف" على نفسه، بالتجسس لمصلحة "إسرائيل"، وتصوير المتظاهرين وتقاضي أموال على ذلك... قبل أن يعلن النظام السوري -بإطلاقه سراح رضوان، بعد أقل من أسبوع من "الاعترافات"-، أن لا صحة لما أدلى به، ما يشكّل دليلاً صارخاً عن كيفية إجبار الناس على "الاعتراف" على أنفسهم بأخطر التهم... ما لم تكن ثمة قوة خارجية تضغط لتغيير المعادلة (في حالة المهندس المصري رضوان حصل تدخل جدي من مصر، بعدما أثارت الصحافة المصرية، الخارجة لتوها من القمع، الموضوع بقوة).

بالانتقال إلى مضمون الاعترافات نفسها، وبغض النظر عن السيناريو وركاكته، فإن المادة المسجلة تفتح النار فعلياً على ثلاث جهات: تنظيم "الأخوان المسلمين" ككل وليس في سوريا فقط، "تيار المستقبل" وتالياً حلفاءه في 14 آذار، والمملكة العربية السعودية- رغم أن "المعترفين" الثلاثة لم يذكروها بالاسم-.

"الأخوان المسلمون"

يعلم النظام السوري أكثر من أي نظام آخر كيف "ضحى" التنظيم الدولي لـ "الأخوان المسلمين"، طيلة العقود الماضية، بجماعته في سوريا، من أجل القضية الأهم؛ فلسطين، والتي تمثلها حركة المقاومة الإسلامية حماس (أخوان مسلمون)، التي تتخذ من دمشق مقراً لمكاتبها... وكيف اضطر "الأخوان" في العالم للسكوت عن النظام السوري طيلة الفترة الماضية، آخذين بعين الاعتبار واقع الصراع مع "إسرائيل"... وكيف أُجبر "الأخوان" السوريون على الخروج من "جبهة الخلاص" التي جمعتهم وعبد الحليم خدام، وذلك أثناء الحرب على غزة، مراعاة منهم لأولويات المعركة... بمعنى آخر فإن ظلامة "الأخوان" في سوريا كانت دائماً مركونة لصالح ظلامة الشعب الفلسطيني المقهور، وهذا كان منطقياً إلى حد ما، لكن تحميل النظام في سوريا، وبهذا الشكل السافر، مسؤولية "التحدي الداخلي" لـ "جماعة الأخوان المسلمين"، سوف يثير بلا أدنى شك، الأطر الأخوانية في العالم كله، -وهي أطر مؤثرة جداً إعلامياً وسياسياً -خصوصاً في هذه اللحظة التي يشم فيها الأخوان نفَسَاً عميقاً بعد سنين من القمع، لاسيما في البلد الأم؛ مصر.

لهذا السبب فإن فتح النار على "الأخوان"، -الذين لا يشكّلون حالياً العامل الأساس في التظاهرات- سوف يعزز من احتضان "الأخوان" عموماً لإخوانهم السوريين المنثورين في أصقاع الأرض، وسوف يقوي من حجة العلامة يوسف القرضاوي (يحظى باحترام كبير لدى "الأخوان" في العالم) في رفع السقف في مواجهة النظام السوري، وسوف يزيد من التفهم التركي الواضح لمواقف "الأخوان" (سبق لسوريا أن احتجت لدى النظام التركي بعد المؤتمر الصحفي لمرشد "الأخوان" في سورية في اسطنبول، وقد نصح الأتراك بـ "استيعاب الأخوان" بدل مصادمتهم)، والأهم أنه يعزز من شعبية "الأخوان" –التي تراجعت كثيراً بعد ضربهم عام 1982- لدى المحتجين، وبذلك يكون النظام السوري قد ساعد "الأخوان" داخلياً وخارجياً، بدلاً من مواجهتهم، وفي خطٍ معاكس تماماً لما تسعى إليه الدول العربية الأخرى، أي الاستيعاب بدلاً من المواجهة!. (لاحظ أن المعترفين قالوا إن "الأخوان" يطلقون النار على المتظاهرين، علماً أن النظام يدعي أن التظاهرات يحركها "الأخوان" وجهات خارجية!).

"تيار المستقبل"

غني عن القول إن العلاقة لا تزال سيئة بين "تيار المستقبل" والنظام السوري، رغم محاولات التحسين جميعها، وزيارات الرئيس سعد الحريري المتكررة إلى الشام، وليس أدل على ذلك من القرار بإخراج الحريري من رئاسة الحكومة، والذي لم تكن سوريا بعيدة عنه... لكن، ولأسباب عديدة، بعضها داخلي وبعضها خارجي، أخذ الرئيس سعد الحريري قراراً، فرض بموجبه على نفسه وعلى أفراد كتلته وتياره، أن لا يتعاطوا بالشأن السوري، وأن لا يظهروا أي تأييد للاحتجاجات الداخلية السورية، وقد وصل الأمر إلى درجة حظر بعض أنواع التغطية الإعلامية، -التي قد تُعتبر مثيرة- عن إعلام "المستقبل"، حتى اضطر المعارض السوري مأمون الحمصي، أول من أمس، إلى وصف إعلام "المستقبل" بـ "المتخاذل عن نصرة الشعب السوري"!. (إلى هذا الحد بلغت مسالمة النظام في سوريا).

لذا؛ فإن الرواية التي قدمها النظام السوري عبر "المعترفين"، لا تعزز مسار "المستقبل" بالتزام الحياد، لأنه سيكون -والحال هذه- كمن رضي أمراً، لكن هذا الأمر لم يرض به، وسيجد نفسه مضطراً في وقت لاحق، ولو من باب الدفاع عن نفسه، أن يقحم نفسه إعلامياً بالشأن السوري الداخلي، فضلاً عن إمكانية دخول حلفائه المسيحيين على الخط من باب "الدفاع عن لبنان".

من جهة أخرى فإن إعطاء تيار "المستقبل"، وبالأحرى نائباً منه، هذه القدرة الهائلة على التلاعب بأمن دولة حديدية كسوريا، مسيء لهيبة النظام السوري، بالقدر نفسه الذي يسيء فيه النظام إلى نفسه، في كل مرة يتحدث فيها عن عناصر خارجية تحرك الناس، "الذين يحبون قيادتهم"!.

المملكة العربية السعودية:

على رغم أن المعترفين لم يذكروا المملكة العربية السعودية، فإن مجرد استهداف تيار "المستقبل"، بما يبدو وكأنه تهديد بـ"الخربطة" في لبنان، في حال بقي الوضع مضطرباً في سوريا، يعني أن النظام السوري يساوم المملكة العربية السعودية، في الورقة التي يضغط فيها دائماً... فإذا أضفنا التسريب المدروس لزيارة يعتزم الرئيس بشار الأسد القيام بها إلى المملكة العربية السعودية ثم نفيه، (سبق أن حصل مثل ذلك بعد عودة الملك عبد الله من رحلة علاجه الخارجية)، وما تنشره الصحف السورية الرسمية من وقت لآخر عن دور ما للسعودية، أو لأمراء محددين فيها، في "المؤامرة" على سوريا، والهجوم غير المسبوق الذي بثته فضائية "الدنيا" السورية قبل أيام على المملكة، وبعض ما يبثه إعلام الثامن من آذار في لبنان، والذي تحول جزءاً من الإعلام الرسمي السوري... فإن الاستنتاج من ذلك كله؛ أن النظام السوي يريد طرفاً خارجياً يحمّله مسؤولية "المؤامرة" المفترضة من جهة، ويستدرج دعماً من دول خارجية، على رأسها المملكة العربية السعودية من جهة أخرى، غير أن الإشكالية في هذا الأسلوب أنه؛ إن كان نافعاً في القضايا الخارجية، فإنه غير مجدٍ فعلياً في التحدي الداخلي الذي يواجهه النظام السوري، لأن لا المملكة ولا غيرها من الدول، لديها القدرة فعلياً على لجم حركة الشارع (لاحظ "التغطية الناعمة" لفضائية "العربية" راهناً)، كما أن الناس التي تتظاهر لم تعد تسمع أصلاً للإعلام الرسمي السوري، ولا تصدقه، حتى لو قال الحقيقة، وهذه حالة طبيعية ومعروفة في حالات الاضطراب الأهلي.

إن حصيلة ما سبق تفيد بأن الاعترافات التي قدّمها الإعلام الرسمي السوري لم تُفد النظام في شيء، بل هي فعلياً أضرّت به، وسوف يؤدي استمرارها، في حال صدق "حدس" صحيفة "الثورة" (وهو ما أكده السفير السوري في بيروت أيضاً)، إلى تعقيد الأزمة التي تعاني منها سوريا بدلاً من حلها، وسوف يظهر حال التخبط بدلاً من الرشاد (بدء مسلسل الاتهام بـ "إسرائيل"، ثم جهات خارجية على رأسها الأمير بندر، ثم "جند الشام"، ثم "تيار المستقبل" و"الأخوان المسلمين"!)، وحسناً فعل المستهدفون من خلال الاعترافات، بعدم الرد تفصيلاً على ما ورد فيها، ليس لأنها فاقدة المصداقية فحسب، بل لأن هذا النوع من التعامل –الرد إجمالاً لا تفصيلاً- من شأنه أن يزيد من ضرر الاعترافات على مقدميها أنفسهم.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


1 + 2 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك جديد دليل المواقع