سيول جدة .. بلاء أم ابتلاء؟

  محيط البوك سؤال الفتوى

  طباعة  
سيول جدة .. بلاء أم ابتلاء؟

 الكاتب : الشيخ أكرم كساب عضو مؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

 الزوار : 15531|  الإضافة : 2009-12-29

 

 بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: 

 
أرجو أن تتفضلوا بالإجابة على السؤال التالي:هناك من يرى أن ما حدث لأهل جدة هو بسبب ذنوب أهل جدة ورسالة إنذار لهم فما تعليقكم على ذلك؟ وبصفة عامة هل ما ينزل بالمسلم من مصائب ومحن هي بلاء أم ابتلاء؟


فقد كان المصاب الذي ألم بأهل جدة في يوم التروية مصابا شديدا، ولم يكن أمام المبتلين – بعد أن أصابهم الإهمال – إلا أن يصبروا على بلواهم، ويحتسبوا مصابهم عند الله عز وجل.

وقد قال الشاعر:
ثمانية لا بد منها للفتـــى ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة وعسر ويسر ثم سقم وعافية

وقد كانت سلوى الناس في هذا المصاب أن ذكرهم الدعاة والعلماء بشهداء الإسلام، وأنهم داخلون برحمة الله في عداد الشهداء، والذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: "الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله" رواه البخاري.

ولكن الفاجعة الكبرى – كما جاء في السؤال – أن خرج بعض الجزارين – نعم بعض الجزارين – ليذبحوا أهل جدة بعد مماتهم، ليقولوا: إن مصاب أهل جدة كان بسبب بذنوبهم.

والذي خلق فسوى، وقدر فهدى: لقد أساء هؤلاء القول، وأرى أنهم إن تعمدوا ذلك القول فقد باعوا دينهم لا بدنياهم ولكن بدنيا غيرهم، فضلوا وأضلوا.

ولهذا أقول: إن أهل جدة قتلوا مرتين:

الأولى: بالإهمال.
والثانية: بالافتراء.

والذي أراه في مثل هذه الأحداث ما يلي:
أولا: الابتلاء سنة لا تتخلف: فليس على ظهر الأرض من بشر إلا وقد قدر الله له نصيبا من الابتلاء، قد يكون للبعض بالمنع، وللآخرين بالعطاء، قد يكون بالخير، كما يكون بالشر، وقد قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمبِالشَّرِّوَالْخَيْرِفِتْنَةًوَإِلَيْنَاتُرْجَعُونَ)(الأنبياء: 35).

ثانيا: اختلاف الناس عند البلاء: فقد يكون البلاء للبعض رفعة وخيرا أو تكفيرا لذنوبه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم فقال: "من يرد الله به خيرا يصب منه" متفق عليه، وقال أيضا: "إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع" رواه أحمد. وفي رواية:" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط" رواه ابن ماجه والترمذي.

وقال أيضا: "يقول ما أصاب رجلا من المسلمين نكبة فما فوقها حتى ذكر الشوكة إلا لإحدى خصلتين إما ليغفر الله له من الذنوب ذنبا لم يكن ليغفره له إلا بمثل ذلك أو يبلغ به من الكرامة كرامة لم يكن ليبلغها إلا بمثل ذلك" رواه ابن أبي الدنيا.

وأوضح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل ابتلاه الله في جسده أو ماله أو في ولده ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز و جل" رواه أحمد.

وأما الكافر فبلاؤه عذاب له قبل العذاب الأكبر، وقد جاء في الأثر القدسي: إني لا أخرج أحداً من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه حتى أوفيه بكل خطيئة كان عملها سقماً في جسده ومصيبة في أهله وضيقاً في معاشه وإقتاراً في رزقه حتى أبلغ منه مثاقيل الذر فإن بقى عليه شيء شددت عليه الموت حتى يفضي إلى كيوم ولدته أمه. وعزتي لا أخرج عبداً من الدنيا وأنا أريد أن أعذبه حتى أوفيه بكل حسنة عملها صحة في جسده وسعة في رزقه ورغداً في عيشه وآمناً في سربه حتى أبلغ منه مثاقيل الذر فإن بقي له شيء هونت عليه الموت حتى يفضي إلى وليس له حسنة يتقى بها النار".

ثالثا: قتلى جدة وأمثالهم شهداء:
وهذا ما جاءت به الأحاديث الصحيحة كما في الحديث المتقدم :" الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله" رواه البخاري.
وقد حاز أهل جدة على نوعين على الأقل من هذه الأنواع؛ فهم غرقى، وقد هدمت بيوتهم.

رابعا: لهذه الأحداث حكم وأسرار:

إذ أن هذه الأحداث التي تضرب الناس هنا أو هناك، لا تخرج عن كونها قدر من أقدار الله، لا تحدث إلا بقدر ولا تكون إلا لحكمة. ومن حكم هذه الأحداث أن الله سبحانه يريد أن يعطي الإنسان درسا ويظهر له ضعفه وعجزه وجهله، فإن الإنسان مهما أوتي من العلم لن يستطيع أن ينفذ في كون الله إلا بسلطان: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} الرحمن: 33.

ومن حكم الله كذلك أن هذه السيول والأعاصير تصيب الفقير كما تصيب الغني، وتحل بالضعيف كما تحل بالقوي، ولقد رأيناها تضرب في باكستان وبنجلادش والهند وأندونيسيا، كما ضربت أمريكا، ووقف الجميع مكتوفي اليد خصوصا إذا صاحبت السيول الأعاصير، وهنا تتجلى قدرة الله وضعف البشر، وأنهم مهما أوتوا من علم فلن يخرجوا عن قدر الله

خامسا: متى يكون البلاء عقوبة؟

وأرى أن البلاء لا يكون عقوبة إلا إذا توفر فيه أمران:
الأول: أن يكون على غير عادة، كما في الإعصار الذي ضرب أندونيسيا (تسونامي).

الثاني: أن يكون في مكان ما ويخص فئة دون فئة، أو أشياء دون أشياء، كأن تنجو منه دور العبادة، كما حدث في إعصار (تسونامي) الشهير، وكما نجا الله لوطا وأهله من هذب قومه.

وأخيرا:فأقول لهؤلاء الذين أطلقوا الأحكام على قتلى جدة جانبكم الصواب، وأسأتم الحكم، وذبحتم شهداء جدة في قبورهم، فالله الله في الشهداء... الله الله في الفقراء... الله الله في ذويهم.

وأسأل الله أن يتقبل الموتى في الصالحين، وأن يغفر لنا ولهم اللهم آمين.
والله أعلم.


 
          تابع أيضا : مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


1 + 5 =

/300
القرآن كاملاً بالزعفران لعلاج السحر والمس والعين

بمناسبة شهر رمضان المبارك 

مع كل نسختين من القرآن بالزعفران

نسخة مجاناً  >>>  أطلبه الآن

  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع