رمضان شهر الألفة فماذا تحقق منها على الصعيد المذهبي بين المسلمين؟

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
رمضان شهر الألفة فماذا تحقق منها على الصعيد المذهبي بين المسلمين؟

   الكاتب :

 

 الزوار : 2830   الإضافة : 2010-08-16

 

النظرة الأولية لحال التآلف بين مذاهب الأمة الإسلامية، مع بداية شهر رمضان المبارك –ومن باب الإضاءة على الواقع لإصلاحه- تُبنىء بما لا يسر. العلاقة بين السنة والشيعة في العالم العربي آخذة في التدهور. ظلال الشك والريبة بين أتباع المذهبين باتت أعمق، ومن التبسيط الذي يعادل الخداع أن يقول البعض إن الخلاف المذهبي الآخذ في التوسع يرتبط بالسياسة فقط.

رمضان شهر الألفة: فماذا تحقق منها على الصعيد المذهبي بين المسلمين؟!
نحو تفاهم حقيقي بين السنة والشيعة!

فادي شامية
النظرة الأولية لحال التآلف بين مذاهب الأمة الإسلامية، مع بداية شهر رمضان المبارك –ومن باب الإضاءة على الواقع لإصلاحه- تُبنىء بما لا يسر. العلاقة بين السنة والشيعة في العالم العربي آخذة في التدهور. ظلال الشك والريبة بين أتباع المذهبين باتت أعمق، ومن التبسيط الذي يعادل الخداع أن يقول البعض إن الخلاف المذهبي الآخذ في التوسع يرتبط بالسياسة فقط. كما من الوهم اعتبار أن مشروع الوحدة الدينية والسياسية بين المسلمين، ما زال قادراً على الصمود وسط الحالة العامة من التنابذ القائم. ما هو واقعي في علاقة المسلمين السنة والشيعة أن يجري تفاهم واضح على نقاط الخلاف العقدية الكبرى، كمقدمة لتآلف ديني واجتماعي، ووحدة سياسية، يلتزم فيها كل من السنة والشيعة بالولاء لأوطانهم.

جذور التوتر والمواقف المحذرة من عودته
البحث الجاد لجذور التوتر في العلاقة بين المسلمين، يقود بسهولة إلى مسائل خلافية لا علاقة للسياسة فيها، لكن التظهير يرتبط بالسياسة بالدرجة الأولى، وما نراه اليوم يتعلق –في الشق السياسي منه- بشكل أساس، بتداعيات صعود دور إيران الإقليمي، مستفيدة من إطاحة الأميركيين بنظامين خصمين هما؛ نظام طالبان ونظام صدام حسين، ومحاولة إيران ربط الشيعة في البلاد العربية بها، من خلال نظرية ولاية الفقيه، الأمر الذي يثير حساسيات كثيرة، منها ما يتعلق بالولاء الوطني، ومنها ما يتعلق بالبعد المذهبي.

والواقع أن الدول العربية، ولا سيما الخليجية منها، كانت قد استشعرت خطر إيران عليها مبكراً، فساندت العراق، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في صراعه الدموي مع إيران على أساس خوفها من تمدد الثورة الإيرانية تجاهها، وبالفعل فقد شكّل نظام صدام حسين لسنوات طويلة سداً منيعاً في مواجهة هذه الثورة، لحين غزو الجيش العراقي للكويت، وتداعي الأمن العربي تالياً، ثم إخراجه منها بالقوة، ومواجهة النظام العراقي الراحل لانتفاضتين؛ شيعية وكردية. في هذه الفترة بدأت المخاوف تتجدد من عودة إيران إلى الساحة العربية، فأطلق الملك الأردني عبد الله الثاني تصريحه الشهير حول الهلال الشيعي، وصدر كذلك الكلام التشكيكي من الرئيس المصري حسني مبارك حول ولاء الشيعة لأوطانهم، ثم صدر تالياًً تحذير العلامة يوسف القرضاوي من نشر التشيع المدعوم من إيران في البلاد ذات الغالبية السنية، ورغم أن الأخير هو رئيس اتحاد العلماء المسلمين، الذي يضم علماء من المذاهب كافة، لكن الواقع أجبره على الكلام، تحت عنوان أن "الرائد لا يكذب أهله"، كما قال هو.

نماذج من التوتر
بالتأكيد فإنه لا يمكن اليوم حصر أماكن أو مظاهر التوتر المذهبي، نظراً لاتساعها وتنوعها، غير أن أبرز هذه الأماكن؛ العراق (التقاتل المذهبي، والتفجيرات المتبادلة، والانقسام الحاد في المجتمع العراقي)، واليمن (ظاهرة الحوثيين)، والبحرين (الصراع الأهلي وأعمال الشغب بين الحين والآخر)، ولبنان (الانقسام الإسلامي الحاد، وخطر الوقوع في أتون الحرب الاهلية)، والكويت (عدة أزمات كان أبرزها أزمة تأبين عماد مغنية، ثم أزمة السماح بدخول الشيخ محمد الفالي إلى البلاد...).

ومن أبرز مظاهر التوتر انتشار الفضائيات "التبشيرية"، لا سيما العراقية، التي تنتصر لمذهب معين، أو تشتم رموز المذهب الآخر وعقيدته، ومن أبرز هذه القنوات في الجانب الشيعي: الكوثر، وأهل البيت، وكربلاء، والثقلين، والأنوار، والعهد، والغدير .... ويقابلها من الجانب السني قناة وصال وقناة صفا.

وواقع الإنترنت لا يقل سوءاً عن واقع الفضائيات، بل هو أسوأ بكثير، إذ تنتشر المواقع التي يهاجم كل منها مذهب الآخر بشكل فظيع، وبما يؤشر إلى أن آلام الجروح العراقية، وكل المآسي التاريخية، تسري في جسد الأمة الإسلامية كله، مولّدةً أعراضاً ومواجعَ جديدة، وبما يذكر بتراث ديني كبير يتحدث عن الفتنة التي تخرج من العراق وتصيب الأمة كلها.

ثم تأتي ظاهرة المشايخ الذين يجهرون بلعن الصحابة وأمهات المؤمنين على الفضائيات (ياسر الحبيب، حسين الفهيد، علي الكوراني، عصام العماد....) حيث يعتبرون ذلك واجباً دينياً يجب إظهاره!.

فضلاً عن الأزمة التي ثارت العام الماضي عندما تهجم الشيخ السعودي محمد العريفي بالمرجع الشيعي علي السيستاني، والردود التي صدرت عقب ذلك.


أسس التفاهم الجدي
بعيداً عن الكلام الجميل حول الوحدة الإسلامية، فإن المعطيات الراهنة ترسم هوة سحيقة بين السنة والشيعة، الأمر الذي يحتاج إلى دراسة جدية لأسباب تفاقم الخلاف على المستوى العقدي، بالتوازي مع حوار سني- شيعي في الشق السياسي.

على المستوى العقدي فإن حسم مسألتي؛ عدالة الصحابة وعدم تحريف القرآن، تعتبران حجر الزاوية في أي تقارب جدي بين السنة والشيعة، إذ على الرغم من حسم مرجعيات شيعية محترمة لهاتين المسألتين، إلا أن التراث التاريخي الشيعي والعديد من أقوال المشايخ الشيعة المحدثين ما تزال تضج بما يجرح عدالة الصحابة وأمهات المؤمنين، وبما يشكك في الحفظ الإلهي للقرآن الكريم.

ثم تأتي نظرية ولاية الفقيه في بُعدها السياسي، كمسألة تحتاج إلى حسم، على اعتبار أنها تثير هواجس مشروعة من قبل الأنظمة والشعوب حول الولاء للولي الفقيه على حساب الولاء الوطني، خصوصاً إذا ما تعارضت المصالح الوطنية مع مصلحة دولة الولي الفقيه.

من جهة أخرى فإن للشيعة مطالب محقة تتعلق بأوضاعهم داخل البلاد العربية ذات الأغلبية السنية يجب أخذها بعين الاعتبار، فالولاء للوطن ينبغي أن يترافق مع التمتع بكامل حقوق المواطنية بلا تمييز، كما أن نظرة الريبة والاتهام الدائم للشيعة بالتقية، من شأنها تمزيق أواصر التعايش الوطني والديني. وبالمقابل ثمة حقوق مشروعة للأقلية السنية في إيران ما تزال تولد حالة احتقان شديد (ظاهرة تنظيم جند الله مثلاً) لا يجوز أن تتغاضى عنها الجمهورية الإسلامية بدعوى أن هؤلاء عملاء للغرب والاستكبار العالمي!.

وتبقى من أخطر القضايا التي تثير الخلاف، ظاهرة التشييع الممنهج في أوساط السنة في أكثر من بلد عربي، عبر الملحقيات الثقافية للسفارات الإيرانية في العالم، وغيرها من الأدوات، على اعتبار أن مؤتمرات التقريب بين المذاهب كانت قد اتفقت على أن النشر الممنهج لمذهب ما في أوساط مذهب سائد وبالعكس، يثير الفتنة، (دون أن يعني ذلك منع أيٍ كان في اعتناق المذهب الذي يريد من تلقاء نفسه) ولعل الرد الأقوى على ذلك، كان موقف المملكة المغربية القاضي بقطع العلاقات مع إيران، بعد اكتشاف أكثر من شبكة تشييع ترتبط بالسفارة الإيرانية في الرباط (حدث ما يشبه ذلك في الجزائر، لكن العلاقات لم تتأثر، واللافت أن الأمر بات ظاهرة في مصر، من أشهر وجوهها الشيخ حسن شحاتة الذي يسب أم المؤمنين عائشة على منبره، كما يلعن الصحابة وبالتحديد عمرو بن العاص).

على أن المتابع في مجال حركة التشييع، يلحظ أيضاً تركيزاً على مذاهب أخرى غير السنة (العلويون في سوريا والزيديون في اليمن) حيث تعمل إيران على إلحاق هؤلاء بالمذهب الشيعي الإثني عشري، المعتمد لديها، وقد نجحت في ذلك بشكل لافت من خلال ظاهرة الحوثيين في اليمن، بعدما تخلوا عن الزيدية!.

نحو تعزيز خطاب التفاهم والعقل
إن بناء العلاقة الصحيحة بين أتباع المذهبين، يجب أن تبنى على أساس من التصارح والوضوح، لا الشعارات الخالية من الحقائق، والواقع أن الفترة الأخيرة كانت قد شهدت مواقف من الجانبين تصب في هذا الإطار. هذه المواقف بالذات يجب تعزيزها، لأنها هي -لا الشعارات الجميلة- التي تبني العلاقة السليمة بين أتباع المذهبين (يشكل الشيعة نحو 10% من جمهور المسلمين).

أحد أهم المحاولات القديمة والجدية في التقريب كانت فتوى شيخ الأزهر الراحل في مصر محمود شلتوت، والتي ذهبت إلى حد إباحة تعبّد المسلم السني بالمذهب الجعفري، أي اتّباعه في المسائل الفقهية. وقد لاقى ذلك مؤخراً فتوى هامة جداً، أطلقها في تشرين ثاني 2008، السيد علي أكبر محتشمي، أحد صناع الثورة الإيرانية، حيث أجاز للشيعة التعبد بالمذاهب الفقهية السنية، "لمن وصل إلى قناعة بذلك"، بل ذهب أبعد من ذلك في حديثه إلى موقع "إسلام أون لاين" إذ اعتبر أن "المراجع الشيعية لا تقر مطلقاً سب الصحابة أو أي من زوجات الرسول، صلى الله عليه وسلم، وتعتبر أن سب أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، كفر يستوجب القتل".

بدوره يُعتبر المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله –رحمه الله- رائداً في تأكيده الدائم على تحريم "الإساءة إلى الصحابة وأمهات المؤمنين تحت أي اعتبار"، فضلاً عن موقفه الحاسم من رفض أي كلام حول تحريف القرآن، إضافة إلى موقفه من نظرية ولاية الفقيه، وهو ما سبّب له الأذى في مراحل سابقة. والواقع أن هذه النظرية المثيرة للجدل (ولاية الفقيه) ما تزال غير معتمدة في المرجعية الدينية للشيعة في النجف، ولدى أكثر علماء الشيعة العرب. ولا يقلّ الشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين أهمية في هذا المجال، لا سيما في الشق المتعلق بعلاقة الشيعة بأوطانهم، لا بدولة ولاية الفقيه (في هذا الإطار أيضاً يقول السيد علي الأمين في موقف له قبل عامين: "إن إيران توظّف العصب الديني لمشروعها السياسي، عبر علاقتها بالشيعة في لبنان، أو بالشيعة في الوطن العربي، فيما لا يجوز أن تكون هناك علاقة مباشرة معهم، لأنها تضرهم وتؤدي إلى عزل الشيعة في أوطانهم وعزلهم عن شعوبهم").

كما شهدت الساحة الشيعية في العامين الماضيين حراكاً في غير بلد عربي، بهدف تأكيد انتماء الشيعة العربي وولائهم السياسي لأوطانها، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر البيان الذي وقع عليه في العام 2008 مجموعة من المثقفين والكتاب الشيعة؛ من السعودية والكويت والعراق تحت عنوان: "تصحيح مسار الطائفة الشيعية في الوطن العربي" حيث رفض الموقعون ولاية الفقيه، و"الكثير من المعتقدات والأحكام الشرعية التي تشكل عائقاً حقيقياً أمام شيوع وتجسيد قيم المحبة والتسامح مع أخوتنا من أبناء المذاهب الإسلامية، فضلاً عن الأديان الأخرى"، معددين 18 مسألة حساسة، وصولاً إلى مطالبة "الشيعة العرب بالعمل الجاد لإنشاء مؤسسات ومرجعيات دينية وطنية في كل البلدان العربية التي يتواجد فيها الشيعة، لتسهم في بناء أوطانها وترسيخ دعائم هويتها".


على الرغم من أن الجميع يلقي بأسباب الفرقة بين المسلمين على العدو الإسرائيلي و"المشروع الأميركي"، إلا أن الجميع يعلم أن كثيراً من أسباب الخلاف أصيلة في الواقع الإسلامي، وأن "الوحدة الإسلامية" ليست إلا شعاراً سياسياً يطرحه البعض في إطار مشروعه الخاص، فيما الطريق لتحقيق هذه الوحدة –إذا كان ذلك ممكناً- يختلف في طريقة مقاربة الموضوعات الخلافية، وبما يجعلنا أمةً تستحق الريادة، ولعل في حلول شهر رمضان المبارك مناسبةً لإجراء مراجعة تتعلق بحال الأمة وما ينبغي أن تكون عليه.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


9 + 5 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع