عندما يتقاتل المسلمون: هل تختفي مظاهر الرحمة؟

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
عندما يتقاتل المسلمون: هل تختفي مظاهر الرحمة؟

   الكاتب :

 

 الزوار : 3254   الإضافة : 2011-04-27

 

تـُعرض بين الحين والآخر-سواء على الشبكة العنكبوتية أو على الفضائيات-، مشاهد اقتتال بين المسلمين، لا سيما في ليبيا، بما يصعب على الفطرة البشرية أن تتقبله، من قبيل الإجهاز على الجرحى، أو تعذيبهم حتى الموت، أو اغتصاب النساء نكاية بالطرف الآخر، أو قتل غير المحاربين جملةً بمن فيهم الأطفال والنساء...

عندما يتقاتل المسلمون: هل تختفي مظاهر الرحمة؟

فادي شامية

تـُعرض بين الحين والآخر-سواء على الشبكة العنكبوتية أو على الفضائيات-، مشاهد اقتتال بين المسلمين، لا سيما في ليبيا، بما يصعب على الفطرة البشرية أن تتقبله، من قبيل الإجهاز على الجرحى، أو تعذيبهم حتى الموت، أو اغتصاب النساء نكاية بالطرف الآخر، أو قتل غير المحاربين جملةً بمن فيهم الأطفال والنساء... وهذه المظاهر أبعد ما تكون عن روح الشريعة الإسلامية، التي تعاملت بواقعية وإنسانية مع واقع الحروب، بما في ذلك الحروب بين المسلمين أنفسهم.

لا بد بدايةً؛ من التأكيد على أن الاقتتال يمكن أن يقع بين المسلمين، سواء بطلب كل منهما الحق وفق ما يراه، أو بطغيان فئة على أخرى بشكل واضح، وفي الحالين، فإن الاقتتال لا يخرج فاعله من دائرة الإسلام، بدليل قوله تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ فسماهما مؤمنين رغم اقتتالهما.

وهذا لا يتعارض مع قول الرسولr: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، لأن هذا الحديث محمول على الطائفتين غير المجتهدتين الظالمتين لبعضهما، إذا التقيا وكلاهما ظالم متعدٍّ، كالقتال على العصبية، والظلم، والهوى... لكن مع توعد هاتين الفئتين بالنار، فإن هذا الأمر -على فظاعته- لا يجعلهما كفاراً. أما الفئتان المجتهدتان؛ وكلٌ منهما يظن أن الحق فيما يفعله، فإنهما يبقيان على الإسلام والإيمان، وأمرهما في هذا القتال إلى الله، فمن اجتهد الصواب فأصابه له أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وقتلى الفريقين غير متوعّدين بالنار أبداً، على هذا الفعل.

وبالعودة إلى الاقتتال بحد ذاته؛ فإنه لا يجوز للمسلم إهدار إنسانية خصمه المحارب له؛ حتى لو كان غير مسلم، أو عده هو كذلك، وهذا يعني؛ الإعراض عن قتل غير المحاربين، ومنع التمثيل بالجثث، وإكرام الأسرى لا قتلهم، ومنح الأمان للمستسلمين من المحاربين، وعدم الإفراط في استعمال القوة ضد مناطق الخصم بلا ضرورة عسكرية، وعدم الإفساد في الأرض تخريباً وتدميراً، ما لم تقتض ضرورة عسكرية ذلك، والتمييز بين أموال العدو الحربية وأمواله العامة، وغير ذلك من القواعد التي وضعها الفقهاء المسلمون قبل أكثر من ألف عام على ظهور ما يعرف باسم "القانون الدولي الإنساني".

وإذا انتقلنا إلى التاريخ الإسلامي نجد أن المسلمين قد انتهجوا منهج الرأفة في الحرب عندما وقعت الفتنة وحل الاقتتال بينهم؛ فمن هذه المظاهر الرائعة ما سطّرته وقائع القتال في معركة الجمل، ومنها وقوف الزبير بن العوام في مواجهة علي بن أبي طالب، وتذكير الأخير للزبير بقول الرسول r له بأنه سيقاتله وهو ظالم له، ثم تراجُع الزبير عن القتال، لولا أن ابن جرموز لحق به فقتله. ابن جرموز هذا يأتي بعد المعركة على علي مفتخراً بفعلته، فيرفض علي مقابلته ويرسل من يقول له: "أبشر بالنار".

وفي الجمل أيضاً؛ مشهد رائع –رغم المأساة- وذلك عندما يصاب طلحة بن عبيد الله بجرح بليغ في القتال، فيهب القعقاع بن عمرو، وهو في جيش علي، لمداواته، قبل أن يدركه الموت. وفيها أيضاً؛ صرخة علي في جيشه: "لا تتبعوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح"، ثم سؤاله عن حال أم المؤمنين عائشة، بقوله: "كيف أنت يا أماه؟"، ثم معاقبته من هتك ستر هودجها فنظر إليها، وضربه من شتمها، وإعراضه عمن اختبأ عندها.

من المظاهر "الغريبة" في القتال بين المسلمين أيضاً، أنهم كانوا في معركة صفين يذهبون معاً إلى نهر الفرات فيستقون جميعاً ويزدحمون، وما يؤذي أحدهم الآخر، كأنهم عسكر في جيش واحد، ثم إذا تواجهوا، اقتتلوا كأشد ما يكون القتال، وكلٌ منهم يجد الحق فيما يعتقد. كما كان المقاتلان يقتتلان، ثم يجلسان يستريحان، ويدور بينهما الكلام الكثير، ثم يقومان فيقتتلان كما كانا، فإذا حان وقت الصلاة توقّفوا لأدائها!، بل كانوا في كثير من الأحيان يصلّون معاً على قتلاهم، كما جرى يوم قُتل عمار بن ياسر.

أما الأسير فقد كان يُطلق فوراً، إن بايع لأحدهما، وإن لم يبايع يأخذون سلاحه ودابته ويأخذون منه عهداً ألا يقاتل ثم يتركونه. كما كانوا يعاملون جثث قتلاهم باحترام، فيدفنونها ويترحمون عليها، بل إن الروايات التاريخية تذكر أن علياً كان يخرج بنفسه بعد انتهاء الجولات القتالية في صفين إلى القتلى من الفريقين فيترحم عليهم.

ومن لطيف ما تنقل الروايات التاريخية أنه في صفين كانت تعسكر مجموعة عرفت بالقرّاء، وهؤلاء كانوا من تلاميذ عبد الله بن مسعود من أهل العراق ومن أهل الشام معاً، فلم ينضمّوا إلى أمير المؤمنين علي، ولا إلى معاوية بن أبي سفيان، وهؤلاء قالوا لعلي: "إنا نخرج معكم ولا ننزل عسكركم، ونعسكر على حدة، حتى ننظر في أمركم وأمر أهل الشام، فمن رأيناه أراد ما لا يحل له، أو بدا منه بغي، كنا عليه"، فقال علي: "مرحباً وأهلاً".

وإذا كان هذا حالهم في القتال، فحالهم بعد انتهائه أكثر مودة ورحمة، من باب أولى، ولعل من الشواهد الباهرة على ذلك، أن الحسن بن علي بن أبي طالب كان يفد كل سنة إلى معاوية فيصِلَه، وأن معاوية كان يغدق العطايا عليه وعلى أخيه الحسين، وأن الحسن قد عمد إلى ابن لطلحة بن عبيد الله (الذي قُتل أثناء معركة الجمل في مواجهة والده علي)، طالباً الزواج بأخته، وأن ابنة طلحة -أم إسحاق- وافقت وتزوجت من الحسن. ومنها أيضاً ما يروى من أقوال تدل على مقدار المودة التي كان يكنها عبد الله بن الزبير بن العوام (الذي قتل في معركة الجمل أيضاً) للحسن والحسين، ابني علي بن أبي طالب، وهي مودة تطورت مع الوقت إلى تحالف في مواجهة يزيد بن معاوية بعد انتقال الخلافة إليه.

وخلاصة ما سبق؛ أن إسلام المرء لا يعني أنه بات ملاكاً لا يذنب في فعله، ولا يخطئ في اجتهاده، ما يوقعه في قتال أخيه المسلم، ولكن حتى والحال هذه، فإن موجبات الإسلام والإيمان تبقى ملازمة له، وتحكم علاقته بخصمه وعدوه، ولو كانت العلاقة بينهما هي القتال، فأين من هذا الواقع ما يجري اليوم في بعد بلادنا الإسلامية التي تشهد اقتتالاً بين المسلمين، بغض النظر عن الظالم والمظلوم فيها؟!


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


5 + 3 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك google_ashefaa

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع