ظاهرة الحركة الأسيرية في صيدا

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
ظاهرة الحركة الأسيرية في صيدا

   الكاتب :

 

 الزوار : 4227   الإضافة : 2011-09-16

 

شهدت عاصمة الجنوب اللبناني خلال شهر رمضان المبارك التظهير السياسي للحركة "الأسيرية"، بعد أن نمت الحركة دعوياً في الأعوام الأخيرة بشكل لافت. وما يزال الجدل قائماً حول هذه الظاهرة الدعوية-السياسية إلى يومنا هذا، لا سيما مع تزايد النشاطات العامة للشيخ أحمد الأسير، مؤسس ورئيس هذه الحركة.

ظاهرة الحركة "الأسيرية" في صيدا

فادي شامية

شهدت عاصمة الجنوب اللبناني خلال شهر رمضان المبارك التظهير السياسي للحركة "الأسيرية"، بعد أن نمت الحركة دعوياً في الأعوام الأخيرة بشكل لافت. وما يزال الجدل قائماً حول هذه الظاهرة الدعوية-السياسية إلى يومنا هذا، لا سيما مع تزايد النشاطات العامة للشيخ أحمد الأسير، مؤسس ورئيس هذه الحركة.

توصيف الظاهرة

في الواقع؛ لم يكن الشيخ الأربعيني أحمد الأسير معروفاً على المستوى العام في صيدا قبل عدة سنوات، لكن حماسته الدينية كانت واضحة لكل من يعرفه. اقترب الأسير لفترة من "الجماعة الإسلامية" ونهل من مدرستها الفكرية (دون أن ينتسب إليها رسمياً)، ثم نحا باتجاه جماعة "الدعوة والتبليغ"، و"خرج" معها في عدد من رحلاتها الدعوية، وتشرّب مبادئها وأصبح وجهاً من وجوهها في صيدا، لكن نقطة التحول في سيرته العامة، تمثلت بانتقاله إلى إدارة مسجد صغير في ضاحية عبرا، شرق صيدا، حيث نجح بشكل لافت للانتباه في استقطاب شرائح متعددة من المجتمع، وتمكّن بخطابه المؤثر من تحويل المسجد لأحد أكثر المساجد استقطاباً في المدينة، وتالياً توسَّع المسجد ومرافقه، بالتوازي مع توسع جمهور الأسير، الذي بات ممسكاً اليوم – من خلال مريديه- بنحو ستة مساجد في صيدا وخارجها، ومتمتعاً بنفوذ شعبي كبير (ضم مسجد بلال بن رباح الذي يؤم فيه الناس ليلة القدر نحو أربعة آلاف مصلٍ، معظمهم صلى في الطرقات المحيطة).

وقد شكّل الصعود الجماهيري الكبير للشيخ الأسير إلى ولادة ظاهرة يمكن تسميتها بـ "الحركة الأسيرية"؛ فالرجل –خلافاً لما يكتب عنه كثيرون من غير الملمين بالفروقات بين القوى الإسلامية- ليس ظاهرة سلفية، لأنه لا يعتمد المنهج السلفي لا فكرياً ولا عملياً، كما أنه لا يمكن ربطه اليوم بجماعة "الدعوة والتبليغ" بالمعنى التنظيمي، لأن أحد الأركان الفكرية لهذه الجماعة هو الابتعاد عن الشأن العام (لا سيما السياسي، ولو كان مجرد موقف من ثوابت لدى الأمة، كجهاد العدو الإسرائيلي مثلاً)، كما أنه لا يرتبط بالمعنى العملي بفكر "الأخوان المسلمين"، وإنما حركته خليط من هذا كله، تأخذ جوانب عقدية وفقهية من السلف، وتمارس النشاط الدعوي المعتمد لدى جماعة "الدعوة والتبليغ"، وتستمد بُعدها الحركي من منهج "الأخوان المسلمين". وأهم من هذا كله؛ أن لا أثر لأي تربية عنفية أو تكفيرية في طروحات الشيخ أحمد الأسير، خلافاً للتهويل الذي تبثه القوى المتضررة من حالته الشعبية.

ومع أن الحركة "الأسيرية" تضم اليوم أعداداً كبيرة من المريدين والمؤيدين، إلا أنها ليست حالة تنظيمية متماسكة، وهي لا تملك مؤسسات متدرجة ومنتجة للقرار، وهي ما زالت متمحورة حول الشيخ "القائد"، فضلاً عن افتقارها إلى "كوادر" تتمتع بالخبرة الإعلامية والسياسية...، ذلك أن النجاح في العمل الدعوي والمسجدي شيء (وهذا العمل منظم ومتناسق إلى حد كبير)، والخوض في وحول السياسية وتحاشي منزلقاتها المميتة شيء آخر تماماً.

الظهور السياسي

لم تبق الحركة "الأسيرية" ظاهرة دعوية فقط، ولكنها تحوّلت ظاهرة سياسية –بالمعنى العام-، لا سيما في شهر رمضان المنصرم لسببين:

- خروجها من دائرة المسجد (تظاهرات واعتصامات ومحاضرات في أماكن مفتوحة).

- وارتباطها بالدعم المطلق للثورة السورية والتشنيع على داعمي نظام بشار الأسد، لا سيما إيران و"حزب الله".

وقد زادت هذه الطروحات من شعبية الشيخ الأسير، ولكنها حولته هدفاً سياسياً لحلفاء "حزب الله" في المدينة، فتارة يُقال إنه يبني "إمارة سلفية"، وتارة تثار شبهات حول علاقاته مع قوى سياسية محلية وغير محلية، وتارة يُعرض نشاطه على أنه عامل عدم استقرار في مدينة حساسة جغرافياً وديموغرافياً، وتارة يُستعمل فزاعة لتخويف المسيحيين في شرق صيدا... وتارة تكون المقاربة هادفة إلى زرع الشقاق بين القوى الإسلامية في المدينة، أو بين الحركة "الأسيرية" ودار الفتوى في عاصمة الجنوب!.

اللافت أن هذه المواقف لا تقال علانية، من خلال تصاريح أو بيانات، وإنما من خلال كتابات وتسريبات إعلامية من جهة، وفي الاجتماعات والصالونات المغلقة من جهة أخرى، والأخطر أن ثمة من تطوّع تكراراً للإدلاء بشهادات غير موضوعية عن هذه الحركة، لمخابرات الجيش اللبناني ولغيرها من الأجهزة الأمنية الرسمية وغير الرسمية، اللبنانية وغير اللبنانية، ما جعل حركة الشيخ الأسير تحت الضوء الأمني أيضاً!.

والواقع أن ربط الشيخ الأسير بقوى سياسية محلية، أو بـ "التشدد" الديني، أو بتأجيج الخطاب المذهبي أمر غير دقيق (ألقى الشيخ الأسير قبل أيام محاضرة تحت عنوان: "من المسؤول عن تأجيج الخطاب المذهبي"، رد فيه على ذلك)، وإنما الدقيق في الشق السياسي من الحركة "الأسيرية" أنها لامست بطروحاتها الجريئة مزاج الشارع العام في عاصمة الجنوب، المستاء من الأداء العام لـ "حزب الله".

وقد زاد الغضب الشعبي على "حزب الله" في صيدا –وفي غيرها من المدن التي لا تدين بالولاء للحزب المذكور- بسبب موقفه المتضامن مع النظام السوري، ما جعل الطرح السياسي لجماعة دينية كجماعة الشيخ أحمد الأسير مرتبطاً بعمق الطروحات الدينية، القائمة على أساس مناصرة المظلوم في وجه الظالم وأعوانه.

ويضاف لهذه الأسباب أن "حزب الله" أوجد ودعَمَ في صيدا واجهات سياسية تابعة له بالمطلق، وتتقاضى الرواتب منه، وأكثرها لا يتمتع بالمصداقية أو الشعبية، ما جعل الأمر يرتد على الحزب المذكور سلباً، وتالياً فقد استفادت جماعات أخرى، على رأسها جماعة مسجد بلال بن رباح (جماعة الأسير) من هذا الواقع، بسبب تبنيها خطاباً منتقداً لأداء الحزب. وبهذا المعنى فقط يمكن ربط الحركة "الأسيرية" بصعود الحالة المذهبية، مع فارق أن المسؤول عن هذه الحالة هو الذي يتحدث عنها، أي "حزب الله" والشخصيات المرتبطة به في صيدا.

المعادلة السياسية

من الطبيعي أنه، مع ظهور حركة شعبية ذات خطاب سياسي بهذا الحجم، أن تُدرجها القوى السياسية المختلفة في المعادلة القائمة في المدينة، وأن تنظر إليها من منطلقاتها الخاصة، سلباً أو إيجاباً.

وعليه؛ فإن واقع الحال في صيدا اليوم أن القوى المؤيدة لـ "حزب الله" ("التنظيم الناصري" وبقايا القوى اليسارية) غير مرتاح أبداً لصعود القوى الإسلامية في المدينة عموماً، وللحركة "الأسيرية" خصوصاً، وهو يعمل بصمت على محاصرة هذه الحال، بأساليب مشروعة في السياسة، وأحياناً بأساليب غير مشروعة. والموقف نفسه ينسحب على الشخصيات والواجهات الإسلامية التي يرعاها "حزب الله"، وجميع هؤلاء سواء في الخسارة الشعبية، مع فارق أن الإسلاميين المرتبطين بـ "حزب الله" فاقدو الشعبية أصلاً (بدلالة الانتخابات النيابية والبلدية على التوالي)، وأن الخسارة تلحق بالطرف الذي يرعاهم (لا يوجد أي فارق في السياسة بين خطاب "حزب الله" وخطاب الواجهات المرتبطة به، بما في ذلك مقاربة الثورة السورية، ما يجعلهم بنظر الشارع مجرد أتباع فاقدي المصداقية، علماً أن العدد الأكبر من أئمة المساجد في صيدا كانوا يبتهلون دُبُر الصلوات في رمضان، تضامناً مع الشعب السوري ضد "الطاغية"، ما يؤشر للمزاج العام في المدينة).

أما تيار "المستقبل"، الذي يحظى بالشعبية الأكبر في عاصمة الجنوب، فإن خطابه السياسي يتقاطع مع الحركة "الأسيرية"، ولكن بـ "تحفظ"، على اعتبار أنه لا يمكن قياس حسابات القوى السياسية الكبرى، بحسابات أي جماعة ناشئة، فضلاً عن أن منطلقات "المستقبل" الفكرية تختلف عن المنطلقات الدينية للحركة "الأسيرية"، مع أن تيار "المستقبل" –بما هو تيار- يضم مزيجاً واسعاً من الخلفيات الدينية وغير الدينية. وتالياً؛ فإن تيار "المستقبل" غير متضرر شعبياً من خطاب الشيخ أحمد الأسير، وإن كان ظهور أية قوة سياسية جديدة يستدعي إعادة الحسابات، على أساس إعادة صياغة المعادلة الشعبية.

بدورها لا ترى "الجماعة الإسلامية" أن خطاب جماعة مسجد بلال بن رباح ينفصل عن المزاج العام للشارع اللبناني السني عموماً، ولا سيما في هذه الأيام، كما أنها تعتبر أن الحركة "الأسيرية" مكملة لها، لا سيما في الجانب الدعوي، وهي جزء من الحالة الإسلامية العامة (مناصرو الجماعة يصلّون في غالبهم في مسجد بلال بن رباح بسبب خلافهم مع أمام مسجد حمزة المجاور له، بعد فصله من الجماعة وارتباطه بـ "حزب الله")، ولا ترى الجماعة أن مواقف الأسير خارجة عما هو طبيعي في مقاربة الثورة السورية (اشتركت الجماعة والشيخ الأسير وقوى إسلامية أخرى في تظاهرة ضد النظام السوري في صيدا، ونظّمت الجماعة منفردة تظاهرة أمام السفارة السورية في بيروت وفي الملعب البلدي في صيدا)، ولكن الجماعة تقارب الموضوع -على ما يبدو- من منطلقين:

- الحرص على "سلامة" الحركة "الأسيرية"، ومنع استهدافها، لا سيما أمنياً، انطلاقاً من مبدأ "وحدة الحالة الإسلامية" وتآزرها وتكاملها في وجه المخاطر والتحريض المستمر (خطاب التيار العوني على سبيل المثال).

- الحرص على عدم جنوح هذه الحركة أو استدراجها إلى منزلقات أو دعسات ناقصة، تؤذي الساحة الإسلامية كلها.

وعُلم أن "الجماعة الإسلامية" اتخذت خطوات عملية، ووجهت رسائل لمن يعنيه الأمر بهذا المعنى.

أليس غريباً جداً أن ينتقد البعض في صيدا صعود "القوى الأصولية"، في الوقت الذي يتحالف فيه إلى حد التبعية الكاملة مع أكبر تنظيم أصولي في لبنان (حزب الله)؟، أليس غريباً أكثر أن ينادي البعض في صيدا بعودة الروح إلى القوى العروبية في الوقت الذي يأخذ المال والدعم من دولة غير عربية، وذات نظام لا يؤمن بشيء اسمه عروبة، إلا من باب العداء لها؟!.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


8 + 8 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع